آثار الإيمان بهذا الاسم :
أولا : إن الله سبحانه هو الرب على الحقيقة , فلا رب على الحقيقة سواه وهو رب الأرباب ومالك الملك , وملك الملوك سبحانه وتعالى . قال القرطبي : فالله سبحانه رب والأرباب , ومعبود العباد , يملك الممالك والملوك , وجميع العباد ,وهو خالق ذلك ورازقه, وكل رب سواه غير خالق ولا رازق , وكل مخلوق فَمُملٌك بعد أن لم يكن , ومنتزع ذلك من يده ,وإنما يملك شيئا دون شيء. وصفة الله مخالفة لهذا المعنى , فهذا الفرق بين صفات الخالق والمخلوقين .
فأما قول فرعون إذ قال أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى
فإنه أراد أن يستبد بالربوبية العالية على قومه , ويكون رب الأرباب فينازع الله في ربوبيته وملكه الأعلى
فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى
وقد قيل إن الرب مشتق من التربية فالله سبحانه مدبر لخلقه ومربيهم ومصلحهم وجابرهم والقائم بأمورهم , قيوم الدنيا والآخرة , كل شيء خلقه , وكل مذكور سواه عبده وهو ربه , لا يصلح إلا بتدبيره , ولا يقوم إلا بأمره , ولا يربه سواه , ومنه قوله تعالى ( وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم ) فسمى ولد الزوجة ربيبة لتربية الزوج لها . فعلى أنه مدبر لخلقه ومربيهم ومصلحهم و جابرهم يكون صفة فعل , وعلى أن الرب المالك والسيد يكون صفة ذات .
ويبين الحليمي أن الله سبحانه يرعى العباد ويربيهم في أحوالهم وأطوارهم المختلفة .
ثانيا : فمن عرف ذلك لم يطلب غير الله تعالى له ربا وإلها , بل رضي به سبحانه وتعالى ربا ,ومن كانت هذه صفته ذاق طعم الإيمان وحلاوته , كما قال صلى الله عليه وسلم (( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا ))
قال القاضي عياض رحمه الله : معنى الحديث صح إيمانه واطمأنت به نفسه وخامر باطنه , لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته , ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشة قلبه , لأن من رضي أمرا سهل عليه فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له والله أعلم .
ثالثا : وقد تكلم ابن القيم عن ارتباط اسم ( الرب ) باسم (الله ) و( الرحمن ) كلاما جيدا حيث يقول :
وتأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة , وهي ( الرب , والله , والرحمن ) كيف نشأ عنها الخلق , والأمر , والثواب , والعقاب ؟ وكيف جمعت الخلق وفرقتهم ؟ فلها الجمع ولها الفرق .
فاسم ( الرب ) له الجمع الجامع لجميع المخلوقات . فهو رب كل شيء وخالقه , والقادر عليه لا يخرج شيء عن ربوبيته ,وكل من في السموات والأرض عبد له في قبضته , وتحت قهره , فاجتمعوا بصفة الربوبية , وافترقوا بصفة الإلهية ,فألهه وحده السعداء , وأقروا له طوعا بأنه الله الذي لا إله إلا هو , الذي لا تنبغي العبادة والتوكل , والرجاء والخوف , والحب والإنابة والإخبات والخشية . والتذلل والخضوع إلا له .
وهنا افترق الناس , وصاروا فريقين : فريقا مشركين في السعير , وفريقا موحدين في الجنة .
فالإلهية هي التي فرقتهم , كما أن الربوبية هي التي جمعتهم .
فالدين والشرع , والأمر والنهى مظهره , و قيامه , من صفة الإلهية .والخلق والإيجاد والتدبير والفعل : من صفة الربوبية . والجزاء بالثواب والعقاب والجنة والنار : من صفة الملك . وهو ملك يوم الدين . فأمرهم بإلهيته , وأعانهم ووفقهم وهداهم وأضلهم بربوبيته .
وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله . وكل واحدة من هذه الأمور لاتنفك عن الأخرى .
وأما الرحمة : فهي التعلق , والسبب الذي بين الله وبين عباده .
فالتأليه منهم له ,والربوبية منه لهم . والرحمة سبب واصل بينه وبين عباده , بها أرسل إليهم رسله , وأنزل عليهم كتبه , وبها هداهم. وبها أسكنهم دار ثوابه . وبها رزقهم وعافاهم وأنعم عليهم . فبينهم وبينه سبب العبودية . وبينه وبينهم سبب الرحمة >
- واقتران ربوبيته برحمته كاقتران استوائه على عرشه برحمته . فـ )الرَّحْمَنُ عَلَىالْعَرْشِ اسْتَوَى(مطابق لقوله : ( رَبِّ الْعَالَمِينَ.الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) فإن شمول الربوبية وسعتها بحيث لا يخرج شيء عنها أقصى شمول الرحمة وسعتها . فوسع كل شيء برحمته وربوبيته , مع أن في كونه ربا للعالمين ما يدل على علوه على خلقه , وكونه كل شيء كما يأتي بيانه إن شاء الله .
يقول الشيخ عبد الرزاق البدر أن شهود العبد انفراد الرب تبارك وتعالى بالخلق والحكم وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ,وأنه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه , وأن الخلق مقهورون تحت قبضته , وأنه ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابعه إن شاء يقيمه أقامه ,وإن شاء أن يزيغه أزاغه فيه تحقيق لمقام ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين ) علما وحالا فيثبت قدم العبد في توحيد الربوبية ثم يرقى منه صاعدا إلى توحيد الإلهية , فإنه إذا تيقن ذلك لم يتخذ سواه سبحانه إلها ومعبودا ,فأول ما يتعلق القلب يتعلق بتوحيد الربوبية ثم يرتقي إلى توحيد الإلهية كما يدعو الله سبحانه عباده في كتابه بهذا النوع من التوحيد إلى النوع الآخر ويحتج عليهم به ويقررهم به ثم يخبر أنهم ينقضونهم بشركهم به في الإلهية .
- قال الله تعالى (وَلَئِنسَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) أي فأين يصرفون عن شهادة أن لا إله إلا الله وعن عبادته وحده وهم يشهدون أنه لا رب غيره ولا خالق سواه .
قال تعالى (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) فتعلمون أنه إذا كان هو وحده مالك الأرض ومن فيها وخالقهم وربهم ومليكهم فهو وحده إلههم و معبودهم فكما لا رب لهم غيره فهكذا لا إله لهم سواه , وفي هذا احتجاج عليهم بأن من فعل لهم هذا وحده فهو الإله لهم وحده , فإن كان معه رب فعل هذا فينبغي أن تعبدوه وإن لم يكن معه رب فعل هذا فكيف تجعلون معه إلها آخر , وهذا من أبين ما يكون دلالة على فساد الشرك و ما عليه أهله من السفه والضلال , تعالى الله عما يشركون .
وتقول إستاذة اناهيد السميري حفظها الله ( الله هو الرب إذا يربيك بنعمه ويصيبك بالبلايا والنعم تربية لك حتى يستقيم القلب على طاعته فلا يشكر في السراء أحدا قبل الله ولا يجزع في الضراء إلا لله فالحياة الدنيا هي للابتلاء وهي بلغة منغصة فهي تبلغك للآخرة لكنها لا تخلو من التنغيص ولا يهنأ المؤمن إلا في الجنة. )
ويقول الدكتور عبد المحسن الأحمد أنه سأل بعض الشباب عن أحسن شيء في الدنيا فقال احدهم أحسن شيء في الدنيا أن ربي هو ربي لأن الله مهما عملت من المعاصي ورجعت تائبا ومستغفر قبلني وهذا أبوي و أمي مايسوونه لو أمي وأبوي يدرون وش أسوي كان ما قبلوني ولدهم ابد لكن الله يغفر ويرحم ويبدل السيئات حسنات .
فتخيلوا أخـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــواتي لو ما عندنا رب ندعيه من يفرج لنا الكربات يسبغ علينا النعم ,
فكثير من المواقف تمر علينا أخواتي لابد أن نقف عندها ونعلم أن الله يربينا بها لنرجع إليه فالابتلاء بالفقد لعزيز سواء بالموت أو مفارقته فهي تربيك أنه لا باقي إلا الله فلا يتعلق قلبك إلا به ( اللهم إنا نستودعك قلوبنا فلا تجعل فيها أحدا سواك )
نكمل المرة القادمة ان شاء الله