مرحبآ !

من خلال التسجيل في صفحات نسوة يمكنك ذلك من المشاركه وتبادل الآفكار الأيحابيه مع زميلاتك

آشتركي معنا الآن !

مذكرات مخطوبة..نسخه كامله للقراءه...

الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل الواحد و العشرون


لم أكد أتنبه لأي مما يجري حولي .. و أنا تحت سيطرة أفكاري و خواطري .. إلا عندما توقفت بنا سيارة عصام .. أمام بوابة المطعم مباشرة ..


فتح عصام بابه .. و نزل من السيارة متوجها إلى البوابة مباشرة .. !!

إلا أنه استرجع و لله الحمد ذاكرته سريعا .. فعاد أدراجه ليصطحبني إلى داخل المطعم .. و قد وضع هذه المرة يده على ظهري ..

" الحمد لله أنه تذكرني .. و إلا لطلبت الانفصال منه في التو و اللحظة ..! "

في داخل المطعم ،

أخبرنا الموظف هناك أن المطعم سيغلق أبوابه بعد ساعة واحدة فقط !

" يا ألله .. بعد كل ما لقيناه من متاعب و تعطيل على الجسر .. أمامنا ساعة واحدة فقط لنرتاح و لنأكل ! "

لكني لم أعترض .. فقد كنت في أعماقي أريد لليوم أن يعدي على خير فقط ..

اخترنا زاوية رومانسية في أحد الأركان و التي تطل مباشرة على البحر ،
و هناك .. فقط بدأت أشعر و لمنظر البحر بشيء من الهدوء و الاتزان .. على الرغم من أحداث اليوم الساخنة ..

حدقت من النافذة .. أرقب أمواج البحر .. و هي تضطرب بعنف حين .. و تتمايل بوداعة حينا آخر .. شأنها في ذلك شأن النفس البشرية ..

آآآه .. يا سبحان الله ..

فقد امتصت أمواج البحر شيئا من العواصف القابعة باضطراب في أعماقي .. و بدأت أسترد اتزاني و هدوئي .. بعد تعب و عناء السفر ..

التقت نظراتي بنظرات عصام و قد كان يحدق فيّ بحرية و سعادة ..
كما أن ابتسامة ناعمة و هادئة .. كانت قد زحفت على شفتيه..

" كان يوما شاقا على كلينا عزيزتي .. أو ليس كذلك ؟! "

" اممم .. نعم قليلا.. "

و في أعماقي .. كنت أصرخ من شدة التعب ..

" بل كثيرا ..

يكفي أنك أدخلتني مع رجال خضر و ذوي نجوم مرعبين و مقرفين .. و جعلتني و للمرة الأولى في حياتي كلها أن أكون موقف شبهة ! "

" حسنا .. ماذا تريدين أن تأكلي عزيزتي ؟! "

" أي شيء سيكون مناسبا ! "

و قبل أن يتصرف عصام و يطلب ما يشاء من طعام .. قررت أن أطلب لي شيئا خفيفا يتوافق مع ما أريد ..

خوفا من أن يطلب لي هو ما يريد .. مثل عصير المانجو الذي لا أطيق !

كانت نظرات عصام كثيرا ما تحدق بي بجرأة و بشيء من العاطفة و الحنان .. و ربما الحب ..
لذا كنت و بالتالي كثيرا ما أتوقف عن عملية الأكل .. لأني أبداً لم أكن لأستطيع تناول أي شيء و هو يحدق بي .. بكل هذا الحب !!

وضعت الملعقة جانبا .. و اكتفيت بمراقبته و هو يلتهم طعامه بشراهة .. على الرغم من أني أنا الأخرى كنت سأموت جوعا ..

فهل ستشبعني نظرات عصام المحبة !!! و أنا التي أتضور جوعا !!

ثم أني تحينت الفرصة المناسبة .. لأن أفتح معه موضوع حفلة خطوبتنا المؤجلة إلى لا أمد معين !

تغيرت ألوان خطيبي المبجل .. بل و كاد أن ( يشرق ) بما في فمه من طعام .. في اللحظة التي وصلت فيها إلى موضوع الطقم و الدبلة ،

لكنه سرعان ما تدارك موقفه .. قائلا,,

" طبعا .. و متى ترغبين في أن نذهب لتختار و نشتري ! "

" في الواقع ..

كنت قد رأيت طقما أعجبني في الأسبوع المنصرم .. و حجزته.. لذا ما عليك إلا أن تذهب و تدفع.. فقط ! "

ثم كان أن ناولته ورقة الحجز و قد كانت مطوية ..

تنحنح عصام.. و هو يتناولها .. و قد وضع كأس العصير الذي كان يرشف منه جانبا .. ثم بدأ بفتح الورقة ببطء شديد ..

في حين أني كنت و من موقعي أرقب ملامح عصام.. و هي تتغير إلى أن وصلت و بالتدريج .. إلى ملامح الطفل المرعوب و الذي قفز أمامه شبحا على حين غرة !

لابد و أنه انصدم .. فالمبلغ المرصود في الورقة .. كان و لا بد أكبر بكثير مما كان يتوقعه عصام ..

لكنه سرعان ما سيطر على أعصابه و ملامحه .. هذه المرة أيضا.. ليجيئني صوته هادئا .. متزنا كما العادة ..

" حسنا ،، في الغد سأمر لأشتريه لك .. ! "

قلت بعد دقيقة صمت سيطرت علينا .. و بشيء من الدلال.. و في محاولة خلق جو عاطفي للحديث ..

" أعلم أنه غالي نوعا ما .. فإن أردت.. ذهبنا معا لتختار واحدا آخر .. أقل ثمنا! "

و مرت ثوان صمت قبل أن أدرك صوته ،

" لا.. لا بأس عزيزتي .. لا يغلى عليك أي شيء ! "

"أوووه ،، الحمد لله ؟؟ أشوه ما طلع بعلي بخيل بعد .. "

و قبل أن أتمكن من التعليق على جملته تلك ..
اندلق كأس العصير فجأة .. و على إثر ضربة عفوية جاءت بالخطأ من يد عصام..
لينسكب العصير و بأكمله على قميص عصام .. و ملابسه !! و لتكتمل أحداث اليوم الساخنة .. بعصير بارد مدلوق .. قد لطخ ثياب زوجي بأكملها و كذا الطاولة !

وقفت لأناول عصام .. ما كان عندي في الحقيبة من محارم .. ثم أني ناديت على النادل .. ليكمل عملية التنظيف ..

و إن لم نكن قد أكملنا تناول الطعام .. إلا أن عملية سكب العصير .. كانت سببا لأن ننسحب مجبورين .. عائدين إلى أرض الوطن و إلى البيت بالتحديد ..

خوفا من المزيد من الأحداث الساخنة !! أو الباردة !


يتبع >>
 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل الثاني و العشرون



قرر عمي بعد أن تماثل نوعا ما للشفاء إقامة اجتماع عائلي ، يحضره الجميع .. و قد شملني بالجميع باعتباري قد بت فردا من أفراد العائلة ..

و لكم انقبضت عضلات صدري.. و أنا أرى من ضمن الحاضرين تلك العمة و ابنتها المغرورة و قد انزوتا في أحد أركان المجلس .. دون أن يحتكا بالآخرين ..

و على ما يبدو .. أن الجميع يكره التعامل معهما .. و لست وحدي من ينقبض صدري لتواجدهما ها هنا..


" يا رب عدي اليوم دون أي مشاكل .. "

ثم أنه بالفعل يا سبحان الله ..
فلكم هو من غرائب النفس البشرية أن تنقبض أو تنبسط.. جراء أناس معينين تقابلهم في حياتك .. و يبقى سبب الانقباض أو الانبساط مجهولا .. يجهل الإنسان كنهه .. و ربما يعود إلى الأبراج و عالم الذر .. كما يقول البعض ..

تنحنح عمي .. ثم بدأ حديثه معنا بنظرات عميقة .. و نبرة هادئة حانية .. تشبه إلى حد كبير .. نبرة عصام ..
حمد الله و أثنى عليه في البداية .. ثم أخبرنا كيف هي الدنيا قصيرة جدا .. و أن متاعها زائل و فان .. و أنها مجرد دار ممر لدار مستقر .. و أن خيرنا من عمل لآخرته ..
و أن لا إنسان على وجه الأرض يعلم ما هو مقدار عمره .. و لربما ساعة الرحيل قد اقتربت .. لذا فإنه يريد أن يوصينا بوصاياه العديدة .. و يبرأ ذمته قبل أن يوافيه الأجل ..

" أعطاك الله طولة العمر يا أبي .. و والاك الصحة و العافية "
هكذا نطق عصام الجالس إلى جواري ..

أما أنا فقد أيدته من كل أعماقي .. خوفا من مصيبة تحل بنا و بحفلتنا المرتقبة ..
و بالطبع .. لأني قد بدأت أحب عمي كثيرا .. و أخاف عليه ..

صوب عمي بعدها نظراته نحو أخته ، موجها إليه حديثه.. مخبرا إياها أنه سيكتب لها الأرض ، و إن لم يكن لها أي حق شرعي فيها .. فقط ليرضي ضميره ..
إلا أنه واصل و بنفس النبرة الهادئة قائلا ..

" لكني أبدا لا أرغب في رؤيتك بعد ذلك .. و قد اخترت دربك بنفسك منذ أزمان طويلة .. منذ أن تزوجتيه و رحلتي دون إرادة والدي - الله يرحمه -!"

قطعت عليه العمة حديثه بتمتمات غير مفهومة .. إلا أن سرعان ما أوقفها بإشارة من يده .. و لكأنه لا يرغب بسماع أي شيء منها ..

ثم و بابتسامة أبوية رائعة .. وجه أنظاره إلينا .. أنا و عصام .. ليعلن للجميع أن حفلة خطوبتنا ستكون في الأسبوع القادم .. في ليلة الجمعة على التحديد ..

" أيناسبك الموعد يا عروسنا الحلوة .. ؟؟!! "

و احمرت وجنتاي خجلا .. قبل أن أطأطأ رأسي بالإيجاب قائلة ..

" نعم عمي .. كثيرا .. ! "

و الحقيقة أنه و مع كون الموعد قريبا جدا .. و ليس أمامي سوى أسبوع واحد فقط للتجهيز للحفلة ..
إلا أني شعرت براحة نفسية نوعا ما .. و قد تقرر أخيرا موعد حفلتي المرتقبة..

و مع الفكرة .. ألم بي صداع عنيف ضرب رأسي و أنا أستحضر في خواطري مستلزمات الحفلة ..

" أوووه .. هناك الكثير و الكثير مما يتحتم علي فعله في هذا الأسبوع ..!! "

الباقة ، الفستان و بروفاته الأخيرة .. بطاقات الدعوة .. العشاء.. مواعيد الصالون و الكوافير .. حجز الصالة .. الملايّـة !! "

" اممم .. ما إلي إلا صفاء .. "

خاطر وديع راودني لحظتها .. بأنه يجب الاتصال بصفاء الليلة .. لترتيب هذه المشاوير معها .. إذ لا بد من تواجدها معي في هكذا أزمة ..!!

بل أني سأقترح معها المبيت معي في البيت .. فهذا سيسهل عملية المشاوير .. و سيوفر الوقت على كلينا ..

اممم.. و لكن لما لا أطلب من عصام أن يعيرني سيارته ..عوضا عن تكفيل صفاء مهمة ( الدريول ) .. فجميع المخطوبات اللاتي أعرفهن .. يستعرن سيارات أزواجهن !

غدا أفاتحه بالأمر ..

في هذه اللحظة بالذات .. انتبهت من خواطري على سعال عمي الحاد.. و الذي كان متواصلا بحيث أن أنفاسه كانت تتقطع .. بل و أنفاسنا نحن جميعا .. و قد احتقن وجهه بالدماء .. و تلّون بالأحمر ..!!

و أقسم أن الدموع كانت قد بدأت تنساب من عيني .. خوفا عليه .. و قد وضعت يدي على قلبي .. مخافة أن يحدث له أي شيء .. و قد بدا للي للوهلة أنه في نزاعه الأخير مع بقايا الحياة .. أو مع بداية الموت ..

و لولا أن عاجلته سلمى بكأس ماء بارد .. استرجع به أنفاسه و ارتوت به عروقه ..
لما ارتاح قلبي .. و لما تنهدت تلك التنهيدة العميقة النابعة من أعماق أعماقي .. و التي لفتت إلي الأنظار جميعها .. !

و لم يكن ليشفع لي موقفي المحرج أمامهم .. سوى أني لم أكن وحدي من أطلق تلك التنهيدة العميقة .. فقد كان عصام إلي جانبي .. يتنهد .. بل ويلهث مسترجعا أنفاسه المتلاحقة .. !!

لذا اعتلت وجوه الجميع ابتسامة رضا و محبة .. قبل أن يرتفع من الخلف .. و بالأحرى من ذاك الركن المنزوي .. صوتا غليظا قائلا..

" لم أكن أريد سوى أن أثبت و للجميع أني فردا من العائلة و لي حقوقي فيها .. فأنت تعلم جيدا أن الأرض حقي.. كما أن عصام هو حق ابنتي ..


إلا أن عمي قاطعها قبل أن تكمل حديثها بنبرة مرتفعة .. جعلتني أرتبك في مكاني .. من شدة القلق و الخوف ..

" إلى الخارج .. دعي ابني و عروسه في شأنهما.. و لا حق لك بيننا .. خذي الأرض و ارحلي .. !! "

وقفت العمة حالا.. تجر ابنتها جرا من خلفها ..
و قبل أن يتسللا إلى الخارج.. احتوياني بنظرة ملؤها الحقد و الكراهية !!
بل أن صوتهما قد وصل إلى مسامعي .. و هي تقول لي مهددة إياي ..

" حفلة عصام لن تقوم.. إلا على جثماني .. و سترين يا خاطفة الرجال ! "

و قبل أن أبدي أي ردة فعل اتجاه تهجمهما علي ..كانت يد عصام هي الأسرع لاحتواء كفي في يده .. ليضغط عليها بكل حب .. ممتصا بهذا روعتي .. و ثورة غضبي .. !

" يا ربي استرها علي ّ .. و اهديهم .. و اكفني شرهم.. فلست ذا أريد المزيد من المشاكل ! "

ثم تناهى إلى أسماعنا جميعا.. صوت باب المجلس و هما تصفقانه و بقوة .. تاركة خلفهما أطيافهما المرعبة .. المشبعة حقدا و كراهية ..!
و سرعان ما التقت نظراتي بنظرات عصام.. و إن كانت نظراتي في تلك اللحظة مملوءة بالقلق و الخوف و الألم .. جرّاء تهديدهما و تصرفهما معي ..

فقد كانت كما العادة .. نظرات عصام .. عميقة و ثابتة .. تشعان بوميض حاني.. مكلل بالحب و الحنان ..

" آآآه .. الله يخلي اللي هالعيون .. و صاحب هالعيون .."

أو كما يقول راشد في أحد أغانيه ..

" هالعيون اشلون أملها .. سحر ذوبني غزلها .. !! "

يتبع >>


 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل الثالث و العشرون


في صباح اليوم التالي، فتحت عيني على صوت الهاتف المحمول و هو يتعالى ينبئني بورد مكالمة ما ،..
و لم أكن لأركز على رقم الهاتف الوارد ، و النعاس بسلطانه كان لا يزال عالقا على أهداب عيني .. فقط رفعت السماعة و همهمت بصوت ناعس

" نعم ؟؟!! "
" ... "
" من هناك؟! "
" ... "
" فلتنطقي! من معي ؟! "

و لكن دون جدوى.. فلا من مجيب سوى صمت مطبق، و صوت تنفس أحدهم أو إحداهن .. و هي تزفر بعمق .. و تتنهد بألم !

هي نفسها تلك التي كانت تتصل في.. و تتهمني بأني خاطفة الرجال بلا شك..

و مع هذا .. عاودت النوم مجددا..لا أنكر أن ذلك كان بصعوبة .. و قد أطارت تلك المجنونة النوم من عيني ..
و لكن لم تمر سوى ربع ساعة إلا و قد عاود الهاتف الصياح مرة أخرى !!

" نعم ؟؟.. من ؟؟ .. فلتتكلمي أيتها المجنونة !! من معي !! "
" ... "
و ما من مجيب هذه المرة أيضا !!
لذا أغلقت السماعة ، و قد ارتفع ضغط دمي لدرجة أني كنت أشعر بحرقة شديدة في أعماقي .. و ثوران غاضب في شراييني !

رميت برأسي على الوسادة مجددا .. و رفعت كذلك البطانية أغطي بها وجهي و كلي إصرار على مواصلة النوم .. فالساعة لا تزال عند التاسعة صباحا !!

بعدها بقليل.. رفعت السماعة للمرة الثالثة .. و قد ارتفع صياح ( موبايلي ) مجددا .. و قد أخذ مني الغضب مأخذه ..
لذا و دون أن ألمح من هو المتصل هذه المرة .. فقط رفعت السماعة لأجيب ، و كلي غضب و حقد على من سلبني النوم في هذا الصباح الباكر، و يحاول سلبني سعادتي في أحلى أيام عمري ..

" هييييي.. يا قليلين الأدب ! ردوا.. و إلا بيصير إليكم شي عمركم ما شفتونه!"

و لم أكن لأكمل سلسلة شتائمي المشبعة بالغضب .. و قد ارتفع صوت الطرف الآخر مذهولا ليقاطعني !

" صباح الورد يا أحلى مرام ! "

" ها؟!! هذا أنت يا عصام ! "

و لكم فقط أن تتخيلوا مقدار الحرج الشديد و اللون الأحمر الذي انطبع في وجنتاي في تلك اللحظة !

" عصام.. آسفة .. لم أكن أقصدك بالطبع ! "

" خير عزيزتي..
ما الأمر ؟! .. ماذا هناك ؟! "

" هو هاتف من مجهولة.. تكرر كذا مرة .. دون أن تتكلم ، فقط تسمعني صوت بكائها حينا .. أو تنهداتها و زفراتها حينا آخر .. ! "

و الصدمة الكبرى كانت هي حين أمليت الرقم على عصام ..

فقد كانت هي من أخشاها .. ابنة العمة المحترمة !!

" يا الهي ،،
ماذا تريد مني؟! لماذا لا تتركني وشأني ؟! لماذا هي مصرة على تحطيم حياتنا! "

" هوني الأمر عليك حبيبتي ،
لن تستطيع هي أو حتى غيرها أن يضروك .. و أنا معك !"

طمأنني عصام بنبرته الحانية ،

" أروع ما في خطيبي هي قدرته العجيبة في امتصاص ثورة غضبي مهما كانت ! "

و لم يكن عصام ليتركني قبل أن يسمع مني ضحكة قصيرة عقبت بها على نغزته المازحة و هو يقول ..

" حبيبتي .. أو لن تعزميني على غداء من صنع يديك اليوم ، فأنا أود حقا الاطمئنان على مستقبلي ! "

و قبل أن يغلق عصام الخط مودعا .. ذكرته بالعقد .. فخطيبي مصاب كغيره من أبناء هذا الجيل .. بداء النسيان ..

" عصام.. لا تنسى أن تمر في طريقك على العقد لتحضره .. "

" أووه.. كدت أنساه .. جيد أنك ذكرتني ! "

" أو لم أقل لكم !! .. إلا خوفتي يوم من الأيام ينساني ! "

سرعان ما تنشطت همتي ، و قد أنعشني صوت خطيبي المبجل و حديثه الرائع بنبرته الحانية !
لذا أسرعت اتجاه والدتي أطلب منها المساعدة في المطبخ ،

بل أقصد أن أخبرها أن عصام سيتناول معنا الغداء اليوم.. و أنا من يتحتم علي مساعدتها .. لا العكس ..

حضرنا ما حضرناه من أطباق و سلطات و عصائر و حلويات ..

" يا بختك يا عصام .. ما راح تطلع من بيتنا إلا زايد وزنك كم كيلو .. ! "

و في الواقع ، كان جل همي و أنا أساعد أمي أن أرى ردة فعل عصام و هو يضع اللقمة الأولى مما صنعته يدي ..

أووه أقصد والدتي .. و لكن تحت إرشاداتي .. و لكن لا تخبروه بذلك .. و ليكن هذا سر ٌ بيني و بينكم حتى حين ..

بعد أن تناولنا الغداء في ذلك اليوم ، و الذي نال بالطبع رضا خطيبي الكامل ..
و الدليل على ذلك أننا رفعنا جميع الأطباق من على المائدة .. فارغة تماما !
أصر خطيبي المبجل على رؤية صوري القديمة و التي ترجع إلى أيام الطفولة المنصرمة ..!!

" لا مستحيل .. وا فشيلتاه !!

في صور واجد اتخرع ، و صور مخيفة جدا .. و صور مرعبة جدا ! و صور ما إليها طعمة ! و من غير أي سالفة ! "

و لكن و لأن أخي محمد لم يدع لي أي فرصة للتهرب.. و قد قفز فجأة ملبيا طلب عصام !
لم يكن أمامي حينها سوى الإذعان.. و محاولة التستر على ما وراء الصور من حكايات .. و مشاغبات الطفولة البريئة و ذكريات و إن كانت قديمة .. فهي و بالتأكيد جميلة .. بل رائعة !

" آآه .. يا ليت الطفولة تعود يوما .. فقط لأخبرها بما فعل بي الشباب ! "

يتبع >>


 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل الرابع و العشرون


أمي كانت معنا و هي تقلب أمامنا الألبومات القديمة.. بما فيها من ذكريات جميلة و رائعة ..
و كنت أرى على عينيها و اللتان أغرورقتا بالدمع..مشاعر هي أعمق من أن أتمكن من ترجمتها مزدانة بالحب..الأمومة .. الحنان .. و بل ربما الفخر و الاعتزاز ..

فمن ذا الذي يصدق أن تلك الطفلة الصغيرة في الصور .. و التي نراها بشعرها المنفوش .. و دموعها المنسابة بسبب و دونما سبب..
قد أصبحت عروسا.. و عريسها ماثل أمامنا.. يشاركنا ضحكنا.. و تعليقاتنا على الصور القديمة ..

" يا سبحان الله ..

لكم هي الأيام تمر بسرعة.. أو لا تشعرون معي بمثل هذا الشعور ؟! "

اختار خطيبي واحدة من أحلى صوري .. و أصر على الاحتفاظ بها في محفظته .. مع أني حاولت إقناعه بأني سأصور لأجله صورة أخرى في (الاستيديو).. تكون رائعة بالفعل .. لكنه و كما كان يقول أنه يرى في هذه الصورة .. أن من فيها ملاك رائع..

" خلاص هذا أهم شي .. أن أكون في نظر خطيبي ملاك رائع ! "

و أنا أيضا أريد له صورة !! واحدة بواحدة ! و لم أكن لأنفك أطلبها منه و لو بطريقة غير مباشرة .. حتى وعدني بإحضار صورة شخصية له غدا ..

" أيوه كذا .. علشان أشعر بأني مخطوبة .. و أفوشر بصورة بعلي على ربعي ! و أقول إليهم .. شوفوا اشكثر عصامي وسيم و يجنن ! "


ثم أني سرعان ما انتهزت لحظة تعذرت أمي فيها بالذهاب إلى المطبخ.. لشرب الماء .. و إن كنت أعلم أن غسل عبراتها و تجفيف دموعها.. هو السبب الحقيقي في انصرافها عنا ..

انتهزت الفرصة لأحادث خطيبي المبجل و بشيء من الدلال.. في رغبتي باستعارة سيارته.. للقيام بمشاويري اللازمة لحفلة الخطوبة المرتقبة !

و كانت عبارتي تلك .. هي الشرارة لأن أبدأ حربا معه .. استمرت لأكثر من ثلث ساعة ،
و هو يحاول فيها عبثا إقناعي بأنه سيقوم بإيصالي إلى المكان الذي أريد ..

فهو و كما يقول .. أبدا لا يحبذ سياقة المرأة .. إلا فقط للضرورة القصوى !

" بس انتوا طبعا تدرون شنو ردة فعلي و رايي في هالموضوع !

و الله هذا اللي ناقص ! ياخذني و يحبسني و يمنعني من السياقة بعد ! "

و عندما لم يجدي المنطق في إقناع عصام بوجهة نظري .. لجأت كما عادة المرأة .. إلى سلاح العاطفة .. ليرضخ عصام و قد استعملت معه كل ما لدي من طاقة و قدرة في تمثيل دور ( الزعلانين ) و أنا أهمهم له ..

" إن كنت خائف على سيارتك لهذه الدرجة .. فأنا خلاص لم أعد أرغب في أخذها ! "

فما كان أمام عصام سوى أن يطرق رأسه قليلا.. و قد شرد بنظراته لبضع ثوان.. قبل أن يجيئني صوته راضخا ..

" حسنا .. حسنا عزيزتي ..

و لكن انتبهي لنفسك جيدا ! "

ثم مد يديه إلى جيبه ليناولني مفاتيح السيارة ..

اعتلت وجهي ابتسامة واسعة و أنا أمد يدي لأختطفها من بين يده .. إلا أن أصابع عصام كانت لا تزال عالقة .. تأبى أن تترك لي المفاتيح ..

" ها ؟!! هل غيرت رأيك ؟ ألن تناولني إياها ؟! "

" ليس قبل أن تعديني أنك ستنتبهين لنفسك جيدا .. و أنك لن تكوني لوحدك ..
اصطحبي معك صفاء.. أو محمد .. أو حتى أسماء ! "

" حاضر .. عزيزي حاضر ! "

و لم أكن لأنتبه ما تفوهت به من شدة الفرحة التي كانت تغمرني.. في تلك اللحظة ..
و لكن ردة فعل خطيبي و ابتسامته الواسعة .. جعلتني أدرك ما قلته له للتو ..

و قد كانت هذه هي المرة الأولى التي أناديها فيها بعزيزي .. مع أنها جاءت عفوية بالفعل.. دون أن أخطط لها مسبقا !

" أعيدي ما قلتيه لي للتو .. "

تجمدت في مكاني .. و قد أصبح وجهي بلون التوت الأحمر ..
إلا أني سرعان ما تداركت الموقف بأن قلت ..

" لم أقل شيئا سوى حاضر عصام حاضر ! "
" لا.. كانت هناك كلمة أخرى .. أعيديها أرجوك !"

و لأنه كان قابضا بقوة على معصمي .. و في عينيه رسالة ترجي صادقة ..

" لاحقا .. لاحقا..
لا تكن طماعا .. ع ز ي ز ي ! "

و انفرجت أساريره.. و اعتلت وجهه ابتسامة طفل وديع.. قبل أن يسمح لي بالانصراف إلى خارج البيت.. حيث أستطيع المرور على صفاء لاصطحابها معي إلى السوق كما خططت .. و قد أوكلت مهمة توصيل عصام إلى بيته على أخي عادل و الذي سيأتي لاحقا !

" لكم هي مشاعرهم مرهفة و حساسة ! هؤلاء الرجال في بعض الأحيان .. كما الأطفال تماما !! "


في داخل السيارة .. و قبل أن نتحرك .... طالعتني صفاء و هي تتساءل ..


" ما هي خطتنا في المشاوير مرام ! "

" سنمر أولا على الفستان .. ثم الباقة .. و من ثم الصالة لنحجزها ! "


" ما شاء الله .. الله يعينا على كل هالمشاوير ! "

" ها .. إذ ما إليج خلق .. قولي من الحين قبل ما نتحرك ! "

" لا.. ليش كم مرام أنا عندي .. أنا ما قلت شي .. بس انتبهي للطريق قبل ما تودينا في داهية .. "

" أشووه .. حسبت بعد ! "


بعدها بقليل .. ارتفع صوتي مخاطبا ابنة خالتي ..

" ناوليني الهاتف .. سأتصل بعصام ! "
" و لماذا يا ست الحسن و الجمال ! "
" ليصف لي أين يقع محل الأزهار ؟!! "
" و لكني أعرف جيدا أين ذا يقع !! "
" أعلم بذلك .. و لكني أرغب في أن يصف لي هو .. لا أنت !! "

بعدها بقليل.. أعدت الكرة أيضا .. و لكن لأننا كنا بالفعل ضائعين !

و من شدة ارتباكي ..لم أنتبه إلا و صوت صفاء يصرخ مدويا ..

" مراااااام.. انتبهي .. انتبهي !!!"

و تداركت الأمر .. بأن حرفت السيارة قليلا.. لأتجاوز حادثا كان على وشك أن يقع !!

" مرام حاسبي أرجوك .. كدت تصطدمين بالسيارة التي أمامنا ! "

" هي من توقفت فجأة .. ليس ذنبي أن غيري لا يعرف كيف يسوق ! "

و لأن الارتباك كان قد أخذ مني مأخذه .. لذا سرعان ما أوقفت السيارة جانبا .. و شرعت أتدارك لهاث صدري.. و انقباض أنفاسي !

و ما زاد الطين بلة .. هو أن الموقف الذي أوقفت فيه السيارة .. كان من المواقف الممنوع الوقوف فيها ..

و قد لمحنا رجل مرور في تلك اللحظة .. و بالطبع فإن رجال المرور متفانين في الخدمة .. و بالقيام بواجبهم على أتم وجه ..

لذا فإنه فقط أعطانا و بكل بساطة ، مخالفة بالوقوف في ما هو ممنوع الوقوف فيه .. و أخرى لعدم ارتدائي الحزام !

و لم يقتصر يومي على هذه المفاجآت فقط.. بل أعدت السيارة لعصام في نهاية النهار.. بخدش صغير..صغير جدا !
حدث حينما حاولت إيقاف السيارة في زقاق ضيق بالقرب من الخياط !

و في واقع الأمر أنه لم يكن صغيرا جدا .. و لكن هذه هي الطريقة المتبعة في تهوين الأمور الجسام !

و مع هذا ..
.فقد كانت ردة فعل عصام هي فقط أن رفع يده واضعا إياها على رأسه .. فاغرا فاه .. لبرهة من الزمن و هو يتأمل الخدش و الذي امتد على جانب السيارة .. من بدايتها .. إلى نهايتها !

و لأني كنت بالفعل أشعر بشيء من تأنيب الضمير .. أسرعت أهمهم له بشيء من كلمات الاعتذار الصادقة ..و أنا أناوله مفاتيح السيارة .. و قد ترقرق الدمع في عيني يرجو سماحه..


" آسفة عصام .. أنا حقا آسفة .. لم يكن قصدي .. "

عملية استيعاب الموقف .. أخذت من عصام بضع ثوان قبل أن يجيئني صوته هادئا ..

"خيرا إن شاء الله .. أهم شيء أنك لم تصابي بسوء ..

إنها فقط قطعة من الحديد.. لا تهتمي بذلك ! "

ابتسمت و أنا أكرر أسفي له .. و قد تذكرت لحظتها ما قالته لي صفاء حينما خدشت السيارة ..

" في الحديد .. و لا فيني ! أليس كذلك ؟!! أهم شي سلامتي !! "

و أما عن موضوع المخالفات.. أممم ،، سأخبره بها لاحقا..

فأنا أخاف على زوجي .. من كثرة الصدمات !!


يتبع >>
 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل الخامس و العشرون


مر الأسبوع بسرعة ..في خضم المشاوير الكثيرة التي كان يتحتم علي القيام بها .. لم أكن لأشعر بالوقت ..

و أحمد ربي كثيرا أنه قد أنعم علي بابنة خالة رائعة .. وقفت معي .. و إلى جانبي .. في أصعب لحظات عمري .. إلى أن حان موعد الحفلة المرتقبة أخيرا..

بعد أسبوع كامل من المعاناة .. ذكرتني مشاعري فيه بمشاعري أيام المقابلة .. حين التقيت بعصام لأول مرة .. و قد اعتلاني لحظتها مزيج من الخوف .. و القلق و الانبهار .. و بالطبع شيء من السعادة ..

في يوم المقابلة قبل شهرين تقريبا.. كنت لا أستطيع حتى رفع نظري إليه .. و كنت كلما سألني سؤالا .. أطرقت رأسي .. أبحث له عن إجابة قصيرة .. لا تكلفني الكثير من الجهد..

و حينما جاء دوري في الأسئلة .. بحثت له عن أسئلة عويصة .. تكلفه الكثير من الجهد للإجابة عليها..

فأنا كنت فقط أريده أن يتحدث و يتحدث .. لأرقب طريقته في الحديث.. أسلوبه في الطرح و النقاش .. تسلسل أفكاره ..

فهذا هو ما كان بالفعل يهمني في زوج المستقبل ..

و الحمد لله.. فقد ارتحت إليه كثيرا .. ليجيء بعد تلك المقابلة .. دور السهر و التفكير ..
إذ لم أكن أريد أن أتسرع في الارتباط بعصام .. خوفا من أن أندم فيما بعد ..
و كنت أعتبر قرار موافقتي بالارتباط به .. قرارا مصيريا .. أو فلنقل .. مسألة حياة أو موت ..

ما أسرع ما تتجدد الحوادث .. فها أنا في ذات الارتباك .. و ذات المشاعر..

حاولت إقناع عصام بإقامة بروفة للحفلة.. و لكنه تعذر قائلا ..

" بأنه لا داعي لمثل هذه البروفات .. فهي مجرد حفلة.. و ليس فيلم أو مسرحية ! و لا داعي لتهويل الأمور ! "

و لم يكن ليعلم أن حلم أي فتاة .. أن تكون حفلتها رائعتها .. تظل محور حديث الناس لبرهة من الزمن ..


و أخيرا.. حانت اللحظة المرتقبة ..

فها أنا ذا ..عروس بكامل زينتها و أناقتها .. و ثوبها البنفسجي الفاتح.. المزدان بالتطريز و الشك !
أدخل قاعة الحفلة .. يدي تتأبط ساعده .. بنشوة و فرح و سعادة لا نظير لهم .. أمشي معه جنبا إلى جنب .. و خطوة خطوة ..

" أي اشوه خطيبي صار يفهم أخيرا .. و يحليله خطوة خطوة ! "

في حين أن جميع الأنظار كانت قد تركزت علينا.. رقاب الجميع بلا استثناء مشرأبة ناحيتنا ..
كذلك كانت هناك بعض الإضاءات الملونة و المتتابعة و التي كانت لزوم التصوير .. قد تركزت علينا أيضا ..

إحداهن.. أطلقت عصفورين للحب صغيرين أمامنا .. ليحلقا قبل دخولنا مباشرة ..
و قد ارتفعت أنغام موسيقى شاعرية رائعة .. تسبق زفتنا .. قد اختارتها لي صفاء بعناية ..
و في الواقع لأول مرة أشعر أن ذوق صفاء رفيعا.. بل رائعا جدا !

و سرعان ما ارتفع صوت الملاية و هي تدندن

الله يا زين اللي احضرت غطت على كل الحضور..
هلت علينا وأقبلت وماعقب هذا النور نور..
علمنا قول وش فيها زود ..ياناس ماهي من الوجود..
..ورده ولا كل الورود شبها يالله باختصار
..معذوره لو اتكبرت مغروره يابخت الغرور..


كل ما كان في الحفلة رائعا .. بل لكم هو شعور رائع بأن تشعر بأنك ملك الحفلة بلا أي منازع .. و أن هذه الحفلة الضخمة .. و أن حضور هؤلاء المعازيم .. ما هو إلا على شرفك .. و كرمال عيونك !

كادت بالفعل أن تكون حفلة أسطورية .. و لم يعكر صفوها أي شيء .. سوى و كما عادة الرجال..
أن عصام لم يحسن إلباسي العقد .. أو بالأحرى ( التركية ) !!

" آآآي .. أذوني .. أذوني يا عصام !! "

" قلت إليك يا عصام خلينا انسوي بروفة .. بس انت اللي ما طعتني !"

و تداركت سلمى الموقف .. و قد هبت لنجدتي .. و إنقاذ أذني من أصابع عصام..

"أووه .. لا بأس لا بأس .. لا داعي لأن تنحرج خطيبي العزيز ..

فهذا ما يحدث لجميع الرجال .. يعجزون عن إدخال تركية في أذن امرأة ! "

ثم جاء الموقف الآخر .. و هو قطع الكيك.. و قد كان يتحتم على عصام إطعامي قطعة من الكيك ..
فما كان منه إلا أن قطع قطعة ضخمة جدا .. يريد مني تناولها .. كلها مرة واحدة !!

" هيي عصام .. أصغر .. ! و إلا ناوي علي أغص و أموت في ليلة خطوبتي"


قطعها عصام إلى النصف.. و لكنها كانت لا تزال كبيرة .. !

فعاود قطعها .. إلى أن أصبح من الممكن تناولها ..

و مع ذلك .. كادت أن تكون الحفلة رائعة .. كنت أعيش فيها أحلى لحظات عمري .. سعادة خيالية .. بل حلم وردي رائع ..

إلا أن وصل إلى سمعي .. صوت إحداهن و هي تصرخ مولولة !! و بأعلى صوتها !! و قد لبست السواد و نشرت شعرها .. و عصبت جبينها !! ثم أخذت تولول صارخة باكية !

وقفت ببطء و أنا أرقب تلك المرأة السوداء .. و التي لم تكن بالطبع سوى ابنة العمة المحترمة !

ثم شرعت في البكاء .. و أنا أهذي ..على المسرح.. و قد أثارت حركتها تلك مشاعري .. و سخطي ..

"ماذا تفعل هذه هنا ..؟!!

ماذا تريد مني ؟!!

لما تصر على تعكير صفو حياتي .. و أحلى أيام عمري .. ! "


احتواني عصام بين ذراعيه .. و قد ضمني بقوة إلى صدره .. يهون الأمر علي ..

و قد وقف جميع من كان في الصالة .. يرقب تصرفات تلك المجنونة و التي كانت لا تزال تصرخ و بشدة .. !!

و الحمد لله أن تلك الكارثة انتهت سريعا .. و قد أخرجت أمي بمساعدة بعض النساء تلك المعتوهة إلى خارج القاعة ..ليستلمها مسئولي الأمن.. و يطردوها نهائيا من النادي .. !!


" يا ألله .. لكم أنا أشفق عليها .. مع أني لا أنكر أني أبغضها .. و أكرهها لما فعلته بي كثيرا ..!!

لكنها تثير شفقتي .. فمسكينة هي.. كانت ضحية لأم مستبدة ..! "

ما أعادني إلى الواقع.. إلا أصابع عصام .. و التي كانت في تلك اللحظة تمر على وجنتي ببطيء شديد..
تمسح عنهما الدموع !!

أووه.. يا خسارة المكياج!! راح تعب الكوافيرة و اتشوه منظري !!


" أوه عصام .. مو قدام الناس.. أستحي أني ! "

قلتها له.. و أنا أنتبه للتو أني كنت بين ذراعيه .. طيلة تلك المدة المنصرمة !!


يتبع >>


 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل السادس و العشرون


استيقظت مرهقة تعبة بصداع عنيف .. في ظهر اليوم التالي، و قد كان صخب الحفلة وصداها لا يزال يثمل رأسي ،
بل كنت لا أزال أشعر بصوت ( الملايّـة ) و كذا الطبول و الدفوف .. و لكأنها لا تزال تعزف و تغني ..

" لكل شيء ثمن في هذه الدنيا .. حتى الفرحة لا تأتي بسهولة ! "

هاتفتني سلمى في العصر، مباركة ً مهنئةً .. و لتخبرني بأنها و جميع أفراد عائلتها فرحون جدا لانضمامي إليهم، كما أنها تعتذر عما بدر من ابنة عمتها البارحة ..

ثم أنها أخبرتني كيف أن ابنة عمتها بعد أن طـُردت من الصالة .. هامت على وجهها في الشوارع ..
إلى أن أ ُصيبت بانهيار عصبي .. لينقلها فاعل خير إلى المستشفى .. و ها هي الآن ترقد في الجناح النفسي !

" يا إلهي !!

صحيح أني لا أنكر أني كنت ساخطة أشد السخط على ابنة العمة .. إلا أني أبداً لم أكن لأتمنى لها يوما هذه النهاية المؤلمة .. ! "

في اللحظة التي أقفلت فيها الخط مع سلمى .. كان جرس الباب ينبئني بقدوم صفاء و عائلة خالتي.. ريما و نور كانت أيضا هنا..

هل تذكرون نور ؟!!
نعم هذه هي .. حبيبة قلبي المفضلة ..

أسرعت أختطفها من بين ذراعي والدتها ، و أنهال عليها لثما و تقبيلا ..
لكن ساءني عدم تفاعلها معي.. فهل بت غريبة عنها .. لانشغالي بعض الشيء بعيدا عنها في الفترة الأخيرة !

لكن خالتي أخبرتني حالا أن نور تعاني من الحمى .. و أنها مريضة !

" عسى المرض فيني و لا فيج يا أحلى نور ! "

لكم يؤلمني منظر الأطفال المرضى .. أشعر بنياط قلبي تتقطع ..
و أنا أرى نور بين ذراعي خالتي .. تأبى أن تتحرك .. و قد اختفت الضحكة البريئة من على وجهها ..

سحبت صفاء بعد قليل إلى حيث يمكنني محادثتها بعيدا عن الضوضاء التي أثارتها ريما المشاغبة .. و التي كانت تصرخ و هي تطالب محمد بإحدى الألعاب الموجودة في غرفته ..

أخبرت صفاء كيف أن ابنة عمة عصام قد أ ُصيبت بانهيار عصبي حاد .. و أنها ترقد حاليا في المستشفى النفسي !


" تستاهل ! "

" لا يا صفاء .. أرجوك لا تقولي هكذا ..
إنها كانت ضحية لأم مستبدة.. تستحق الشفقة لا اللوم أو العتاب ! "

" أنت دوما هكذا ..طيبة القلب ..!

ها ألن تخبريني أنك ستزورينها في المستشفى أيضا .. لفتح صفحة جديدة ؟! "



" و لكأنك تقرأين أفكاري يا صفاء .. كيف عرفتي بهذا ؟! "

أطرقت صفاء رأسها .. و قد مطت شفتاها .. و وضعت يدها على وجهها قائلة..

" لأنك هكذا تفكرين دوما !
و ستصحبيني معك بالطبع .. أليس كذلك ؟! "

" طبعا ! "

قلتها و أنا شبه واثقة بأن صفاء سيذعن لطلبي بالتأكيد .. و أننا سنكون بعد نصف ساعة على الأكثر في المستشفى ..
نزور ابنة العمة المعتوهة ! عذرا أقصد المريضة نفسيا !

" و لما لا تذهبين مع عصام ؟! "

" عصام لن يأتي اليوم .. فهو معزوم مع بعض الشباب في بيت صديقه..
ثم أنه لن يرضى بذلك ، ..
فهو لا يرغب أن يحدث أي احتكاك بيني و بين عمته أو ابنتها ! خوفا من حدوث المزيد من المشاكل ! "

" إذن ستعصين أمر زوجك أيتها العاقلة ؟! "
" إنها مهمة انسانية يا صفاء.. ثم أن عصام لن يدري بالأمر ! "

" أها .. أنا سأخبره إذن يا صاحبة الإنسانية ! "

" لا لن تفعلي.. فأنت تعلمين جيدا أنك لا تستطيعي عمل ذلك لي .. لأني ابنة خالتك المقربة .. و التي تحبينها كثيرا كثيرا ! "

" حقا أيتها الماكرة ! هذه أنت دوما تستغلين حبي لك !

حسنا.. سأذهب معك و أمري إلى الله .. و لنرى إلى أين سنصل معك يا صاحبة الإنسانية ! "

أسرعت إليها أضمها و بقوة إلى صدري قائلة لها بشيء من الخبث و الدلال ..

" الله يخليج إلي يا أحلى بت خالة في الدنيا كلها.. و لا يحرمني منج ! "

بعدها بقليل .. كنا في المستشفى .. نذرع دهاليزه المتعرجة .. إلى أن وقفنا أمام الغرفة المفترض أنها ستكون فيها ..

وقفت على باب غرفتها لثوان معدودة .. مترددة في الدخول .. أحمل في يدي باقة ورد بيضاء مفعمة بالأمل و السلام .. اشتريتها لها للتو .. و كلي أمل بتماثلها للشفاء .. و تقبلها وجودي .. لكي نفتح معا صفحة جديدة ..

" هل يا تراها ستتقبل وجودي؟!
هل رؤيتها لي ستساهم في التخفيف من حالتها النفسية ؟! أم أنها ستزيدها سوءا؟! "

و لم يطل ترددي كثيرا .. فقد أسرعت صفاء بطرق الباب و دفعي إلى الداخل أمامها ! لتنتشلني من حالة التردد انتشالا !

الغرفة كانت باردة.. استقبلني أثيرٌ بارد لفح وجهي..حال ما وطأت قدمي أرضية الغرفة !
الجدران كذلك كانت بيضاء ملساء.. مما زاد شعوري بالبرد..
أجلت ناظري في الغرفة ليستقر أخيرا على من كانت شبه نائمة على سرير بفراش أخضر يتوسط الغرفة ..

بدت شاحبة جدا .. و قد نشرت شعرها الفاحم ، ليسترسل على كتفيها .. في حين أن نظرات عينيها بدت جامدة .. خالية من وميض الحياة !

ارتعدت ابنة العمة حال ما رأتني .. لتنتصب جالسة على السرير.. مسندة رأسها على الجدار .. و قد تكومت على نفسها بأن ضمت رجليها إلى صدرها!

تقدمت شاردة من نظراتها المتفرسة لأضع باقة الورد على طاولة صغيرة كانت هناك..

ثم اتجهت ناحيتها .. أريد تحيتها ، أو ربما مصافحتها .. أو حتى الحديث معها..

في حين أن صفاء كانت لا تزال واقفة ترقب المشهد من بعد و أكاد أجزم أنها في أعماقها كانت ترميني بالجنون .. فما من أمريء عاقل .. يذهب برجليه إلى عدوه.. و الذي يحمل له في أعماقه الحقد و الكراهية !

" كيف حالك عزيزتي ؟! "

هكذا بادرتها بالسؤال.. راغبة في تمزيق الصمت المسيطر على الغرفة ، آملة أن يبعث صوتي شيئا من الدفء و الحياة على الموقف !

لكنها لم تجبني.. فقط تكومت على نفسها أكثر و أكثر .. و تراجعت زحفا باتجاه الجدار .. و قد زادت من حدة نظراتها المتركزة علي .. و التي جعلتني أشعر بأني أمام أسد.. يتحين الفرصة المناسبة للانقضاض علي !

" جئت مسالمة صدقيني .. فقط لكي أتمنى لك الشفاء العاجل .. و آمل أن نفتح صفحة جديدة.. نكون فيها بمثال الصديقتين ! "

و لكن ما من مجيب أيضا .. فقد بدت أنها قد فقدت قدرتها كليا على الكلام أيضا ..

في هذه اللحظة بالذات .. و قبل أن أسهب أكثر في التودد إليها .. ارتفع من الخلف صوتا مرعبا مزمجرا..

أدرت رأسي باتجاه الصوت .. و أنا في أعماقي أتمتم ..


" لا.. !! ليس باستطاعتي مواجهة الوحوش يا رب ! "


يتبع..
 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل السابع و العشرون

" هييي.. أنت يا خاطفة الرجال ! ..

ماذا تفعلين هنا لابنتي ! " أو لا يكفيك أنك باختطافك عصام منها .. قد دمرتيها!! "

" أنا التي دمرتها أم أنت ! "

هكذا وددت لو أصرخ في وجهها .. إلا أني لم أكن بالطبع لأمتلك الجرأة و خصوصا أن صوتها المرعب .. و صراخها المزمجر .. كانا قد أرعباني كثيرا .. لدرجة أني فقط تمنيت لو تنشق الأرض و تبتلعني !

و عندما يعجز اللسان على الرد على أمثالها .. فإن الدموع بلا شك أقوى من أي كلمات.. لتعبر عما في داخلي من خوف، من سخط ، و من ارتباك !

صفاء كانت قد اقتربت مني لتقف إلى جانبي.. مساندة إياي في موقف حرب كهذا ..
مع أني لم أكن لأعرف حتى كيف أحارب .. أو خططت مسبقا للدخول في العراك معها !
فقد جئت و الله مسالمة .. أحسب ببراءة أنهما سيرحبون بي و بقدومي.. بل و ربما حلمت بأنهما ستهرعان إلى معانقتي لنفتح صفحة جديدة !

لكن ما يحدث الآن هو على النقيض تماما ..

فها هي العمة منتصبة .. و قد أطلقت العنان للسانها لينهال عليّ بالشتائم المتواصلة !
و ها هي الابنة .. لا تكاد تتحرك في شبه غيبوبة.. من شدة الانهيار النفسي التي كانت و بلا أي شك تعاني منه.. و يكفي لأن تصاب به أنها تملك أما كهذه !

نقلت بصري اتجاه الابنة المسكينة .. لأتأكد من شبه غيبوبتها .. و قد عزمت أن ألقي عليها نظرة الوداع .. قبل أن أحمل نفسي و صفاء خارجا ..
و كلي أسف عليها تلك المسكينة .. و احتقار إلى الأم المستبدة .. و شخصيتها المسيطرة !

ثم أني أدرت ظهري.. و اتجهت ناحية الباب.. ساحبة معي صفاء.. فلا بقاء لنا هنا .. في مكان تـُراق فيه كرامتنا.. ! و أنا لا أريد أن أنزل من نفسي فأرد على أمثالها و أعطيهم و لو شيئا من قيمة تـُذكر !

إلا أني و قبل أن أخطو خطوة واحدة إلى الخارج.. ضغطت صفاء على أصابع يدي بقوة .. و لكأنها تريد مني البقاء قليلا !
أدرت رأسي مرة أخرى إلى داخل الغرفة .. لألمح ابنة العمة و هي تتمالك نفسها لتنهض من على السرير ببطء شديد ..
ثم لتتجه كما الأشباح إلى حيث كانت أمها لا تزال ترغي و تزبد بسيل شتائمها المتواصل ..
ثم و في لحظة خاطفة .. رفعت الابنة يدها عاليا.. لتستقر و بقوة غير متوقعة على خد الأم .. و التي وقفت مذهولة لبرهة من الزمن .. غير مصدقة !

رفعت الأم يدها ببطء شديد.. و هي تتلمس أثر الصفعة على وجنتيها و التي احمرت احمرارا شديدا .. ملفتا للنظر .. و مثيرا للأسى ..

" أو تصفعيني ؟! .. تصفعين أمك !! "

رفعت الابنة كلتا يدها مرة أخرى .. لتدفع بهما جسد الأم.. باتجاه الباب .. و هي تصرخ فيها ..

" برررررررررررره !!!!! "

" و تطرديني أيضا ؟! "

كانت الابنة و حتى هذه اللحظة تبدو كما الأشباح.. أو الموتى .. أو ربما (الربوتات) الآلية ..
إلا أني قد بدأت بعدها ألمح على وجهها شيئا من نبض الحياة .. قد عاد إليها على حين غرة !

لم يطل الموقف كثيرا.. حتى بدأت الابنة بالبكاء و العويل .. و من خلف عبراتها.. خرج صوتها مرتجفا .. و هو يخاطب الأم المتجبرة ..

" لست أريدك في حياتي .. اخرجي أرجوك ..

كنت و لا تزالين أم مسيطرة مستبدة .. منعتني من حريتي و أبسط حقوقي منذ صغري..
تحكمتي فيّ .. و سيطرتي حتى على مشاعري.. فعلقتيني وهماً بعصام .. و أخذتي تمنيني أنه سيكون لي و بلا شك !!

دعيني و لو لمرة أعبر عن مشاعري و سخطي و غضبي ..
دعيني أعيش حياتي كما أريدها أنا .. لا كما تريدينها أنت ..
دعي عصام و عروسه يعيشان حياتهما .. بل و لتدعي أن يبارك لهما الرب في حياتهما .. و يغلف عليهما بالمحبة و السعادة الأبدية ..

اخرجي أرجوك .. برررررررررررررره ! "

لم يكن أمام الأم بالطبع سوى الانسحاب من الموقف .. مبعثرة الكرامة قد أهانتها ابنتها الوحيدة أمامنا..

" آآه ،، يا له من زمن غريب ..
كما عقت و قست الأم على أبيها يوما .. ها هي ابنتها تعقها و تشتمها بل و تتعدى عليها بالضرب أيضا ! "

و مع أني بالطبع لا أؤيد موقف الابنة بالتهجم على أمها .. و لكني ألتمس لها كل العذر فيما فعلته ..و جل عذرها أنها تحت وطأ صراع نفسي عنيف، و أنها منهارة تماما.. لا تكاد تستدرك ما هي فيه ..

و لتعبر هذه المسكينة عما يدور في خلدها .. و لتكن لها رغباتها و مشاعرها الخاصة بها .. بعيدا كل البعد عن سيطرة والدتها و جبروتها ..

اتجهت ابنة العمة اتجاهي .. ثم و من دون سابق إنذار فتحت لي ذراعيها لتحتضنني قائلة ..

" اعتني بعصام جيدا .. فأنا لا أرغب إلا بالسعادة له .. "

لم أعرف بماذا أرد عليها .. و ردة فعلها قد أربكتني ..
إلا أني همست لها قائلة و أنا أغالب دموعي ..

" لا تخافي .. عصام في عيوني ..

و لكن أنت اعتني في نفسك جيدا .. فأنا أنتظرك لتصبحي صديقتي .. "
 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل الثامن و العشرون



أنزلتني صفاء عند باب البيت ، و انطلقت بسيارتها باتجاه بيت خطيبها و قد كانت معزومة على عشاء عندهم كما أخبرتني ..

دخلت البيت تعتلي وجهي ابتسامة انتصار و فرح ، و كلي أمل بأن أرمي بنفسي سريعا في أحضان والدتي .. لأخبرها بأني قد تخلصت اليوم من عقبة مؤلمة كانت تقف أمام سعادتي مع عصام ..

و لم أكن لأتجاوز هذه العقبة إلا لأني قد تمسكت بمبادئي ، و كلي إيمان و ثقة بأن الخير هو دوما أقوى وسيلة لمواجهة الشر ..

و أن في أعماق كل منا يقبع إنسان الخير.. لذا فإني في تعاملي مع الآخرين.. مهما كانوا سيئين .. أعمل جاهدة ، أما بابتسامة مني أو زيارة أو مصالحة .. على إيقاظ هذا السابت في أعماقهم ..

إلا أني فوجئت بوجوه من كانوا في الصالة !
الجميع كانت وجوههم بائسة.. شاحبة .. بنظرات باردة .. بل أنهم لم يردوا حتى السلام علي.. كما هو المفروض !

" خير يا جماعة ! ..
ما بكم !! و لكأن على رؤوسكم الطير! ماذا حدث ! "

أطلت علي ّ خالتي من الصالة الأخرى و هي تحمل بين ذراعيها نور ، و التي كانت شبه نائمة ،، و يعتلي وجهها عرق بارد، تجمع ليسيل على جانبي خدها!

" لا أدري يا مرام ..
نور محمومة جدا ! و لا تكاد تستيقظ من النوم !
إنها في حالة يرثى لها .. ! المسكنات و الضمادات لم تعطي أية نتيجة ! "

أسرعت أحمل نور من بين يدي خالتي ، و أضمها إلى صدري بقوة !

" نور ،، نور ..
حبيبتي .. صغيرتي .. جاوبيني ! "

تلمست جبينها لأتحسس درجة حرارتها ! و يا ألله .. فقد تراجعت يدي لا إراديا من شدة وهج حرارتها ..

" يا إلهي .. إنها محمومة ! لا بد من أخذها إلى الطوارئ فورا ! "

أسرعت أدير رقم صفاء ، على أمل أنها لم تبتعد بعد كثيرا .. لتعود أدراجها و نأخذ معا نور إلى المستشفى .. !

لكن يا للكارثة .. فقد نست تلفونها المحمول عندي .. مذ أن كنا في السيارة !

أدرت رقم أخي عادل .. لكن هو الآخر .. تلفونه كان مقفلا !

" يا إلهي .. ما العمل .. فزوج خالتي لا يزال في العمل ! ..

" عصام !! "

هكذا قفز اسمه فجأة إلى مخيلتي .. لينصب عليه الأمل في إنقاذ نور المسكينة .. من الحمى الشديدة التي آلمت بها !

أدرت رقم عصام فورا دون أدني تردد .. ليجيئني صوته بعد دقيقة واحدة أو أقل ..

" هلا مرام "

" عصام أنقذنا .. يجب أن تأتي حالا.. و بسرعة .. نور ليست بخير .. ستموت! "

ثواني صمت مرت قبل أن ينطق .. و لابد أنه كان فيها يستوعب الأمر ..

" نعم عزيزتي .. و لكن !! "
" عصاااااام "
قاطعته بحده ..و قد تشبعت نبرتي بالغضب الساخط

" حسنا .. حسنا عزيزتي .. هدئي من روعك !
دقائق قليلة و أنا عندكم !! "

مضى الوقت بطيئا و أنا أذرع الصالة جيئة و ذهابا .. بانتظار قدوم عصام .. أحمل بين ذراعي نور المحمومة .. و أتمتم تارة بآيات الشفاء .. و تارة أخرى أرقب عقارب الزمن .. و لكأن الوقت يداهمنا !

عشر دقائق كاملة كانت قد مرت.. قبل أن يرتفع أخيرا جرس الباب.. منبئا عن قدوم عصام ..
و لم يكن بالطبع هناك أي داع لأن يدخل عصام.. و نور حبيبتي بين الحياة و الموت .. !

لذا وافيته و بسرعة إلى داخل سيارته ..

إلا أني و ما أن ركبت إلى جواره ، حتى بدأ أنفي يتحسس رائحة غريبة !!
و لكأنها رائحة .. رائحة دخان !! ﭽﮕـاير !
و يا إلهي ,, إنها تنبعث و بقوة من ثياب عصام !
" عصام .. هل كنت تدخن ! إني أشتم رائحة ﭽﮕـاير ؟! "
" لا بالطبع عزيزتي ،
لكني كنت في صحبة بعض المدخنين اليوم ! "

حدسي أخبرني بأن الموضوع أكبر من مجرد صحبة بعض المدخنين !
كما يقول لي عصام ، لذا عاجلته بسؤال آخر !

" و أشم رائحة (معَسّل ) أيضا ً ! "
" حسنا.. لقد جلسنا في مقهى (أبو محمد)قليلا .. !
ما بك عزيزتي ؟ .. لما هذه النبرة ! "


" يا لهوي !
فزوجي ممن يرتادون المقاهي الشعبية .. و يصاحبون ثلة من المدخنين .. و يستمتعون بتدخين الشيشة .. !!! "

دارت بي الدنيا و أنا أدرك هذه الحقيقة المرة ,, فلكم كنت سابقا أسخط على هؤلاء الشباب .. مرتادي المقاهي .. و أعتبرهم شبابا فارغا !
بل أني كنت حتى أكره سماع كلمة الشيشة ) أو ( القهوى !

و ها هو زوجي اليوم ، و بأعصاب باردة .. يخبرني و ببساطة أنه منهم !
و أن هناك من تحتل قلبه غيري .. إلا و هي الشيشة اللعينة !!

" لكن هيّين يا عصامووو ..

يا أنا .. يا هي !! "
و بالطبع أقصد (الشيشة) بكلمة هي ..فلا يذهب خيالكم إلى مكان آخر

شردت بنظراتي بعيدا عن عصام ..مركزة إياها على نور المسكينة و التي كانت بين ذراعي .. تلهث بشدة .. و قد أخذ صدرها يعلو و يهبط.. بصورة ملفتة للنظر ..!!

" نور حبيبتي تماسكي .. دقائق و نصل المستشفى ! "

يا رب.. ارحمها و شافها .. و أبعد عن صغيرتي ، و حبيبة قلبي أي مكروه و سوء ..


يتبع ..
 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل التاسع و العشرون

في الطوارئ ، كان لابد من ترقيد نور في المستشفى ,, و قد أوصلوا بجسدها الصغير ، العديد من الأسلاك و التي كانت تختص بقياس الضغط و النبض و غيرها !


فقد كانت حالتها و على ما يبدو سيئة جدا !
لذا لم أكن لأتمالك عبراتي .. و أنا أرى الصغيرة في تلك الحالة ما بين الحياة و الموت ..

" دعاؤكم لها أرجوك .. لا تنسوها من صالح دعائكم ! "

لم يكن من السهل على عصام أن يرى دموعي .. و هي تنهال بصدق على وجنتي .. لذا سرعان ما حاول التخفيف عني ..
بل أنه تقدم ناحيتي .. و حاول أن يمسح بأصابعه دمعي ..

إلا أن رائحة الدخان المنبعثة منه و بقوة .. جعلتني أعبس ..بل و أشمئز منه ..

لذا صرخت في وجهه قائلة ..

" أرجوك .. ابتعد عني .. رائحة الدخان تكاد تخنقني !! "

" عذرا.. أنا بالفعل آسف !! "

في هذه اللحظة .. أطلت علينا الممرضة المناوبة .. لتخبرنا بضرورة وجود أحدهم مع نور .. ليبيت معها في المستشفى الليلة .. !

طالعت عصام بطرفي .. قبل أن أجيب على الممرضة ..

" سأبيت أنا معها الليلة !! "

ابتسمت الممرضة قبل أن تغادرنا .. إلى حيث أشغالها المتراكمة ..

جاءني صوت عصام بعدها معاتبا ..

" هكذا قررت المبيت هنا .. دون حتى أخذ إذن مني .. أو استشارتي !! "

" و حتى في مثل هذه الأمور تطلب مني أن أخذ رأيك !!!
هل هذا يعني أن لك مثلا رأيا آخر ؟!! "

" لا.. و لكن !!! "

قاطعته قائلة ..
" ناولني هاتفك رجاءا .. لأتصل إلى خالتي و أخبرها بأمر نور ! "

" ما بك حادة المزاج اليوم عزيزتي ؟! "

" أنا؟!! أو تسألني يا صاحب المدخنين !! "

" هل كون أصحابي من المدخنين ، جرم أستحق عليه مثل هذه النبرة ؟! "

" نعم .. عندما تجلس معهم ، و تستأنس بصحبتهم .. و تستمتع برفقتهم .. و تتناوبون جميعا على تلك الشيشة ! "

مع أن حجتي لم تكن قوية إلا أنه لم يكن عند عصام أي رد ليعقب به عليّ .. و خصوصا أني كنت لا أزال ثائرة غاضبة .. لذا قال لي بعد ثوان من الصمت و الهدوء ..

" يبدو أنك مرهقة كثيرا اليوم ! "

" لا لست مرهقة .. لا تغير الموضوع .. أما أنا .. و أما هي !! "

" من هي؟"
.. تسائل مذهولا ببراءة .. و عيناه قد اتسعتا على الآخر ..

" الشيشة !! "

ارتفعت بعد لحظات ضحكة عصام ساخرة باردة ..

" لا تضحك .. الأمر جدي ..!! و إلا فلننفصل !! "

في هذه اللحظة .. مد عصام يده ليقبض على معصمي و قد نفذ صبره .. قائلا ..

" صيري عاقلة يا مرام .. لا تتفوهي بكلمة الانفصال مرة أخرى !! و إلا .. !"

قاطعته متحدية ..
" و إلا ماذا؟؟!!! ماذا ستفعل يعني !! "

داهمتنا الممرضة على حين غرة .. و قد أطلت بوجهها علينا.. واضعة إصبعها على فمها قائلة ..

" اشششش ،،
الهدوء رجاءا .. المرضى نائمون !! "

اعتذر عصام منها بلباقة ..و قد تنبه للتو أن جدالنا بالفعل كان مرتفعا و أننا لا نزال في المستشفى .. لا في البيت !
في حين أني حاولت تحرير معصمي من بين يده .. و التي كان يطبق بها عليّ بقوة ..

" اترك يدي .. فانك تدميني !! "

أفلت عصام يدي أخيرا.. و قد أصبحت يدي حمراء من شدة الضغط عليها ! لذا سرعان ما بدأت أحاول تهميزها .. لعل عروقي فيها تهدأ .. !

طالعني عصام مهددا .. قبل أن يقول ..

" هذا أبسط ما قد يصيبك .. إن تفوهت بكلمة الانفصال مرة أخرى ! "


يتبع..
 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل الثلاثون

ودعني عصام بعدها بهدوء .. و ببرود أعصاب .. و انصرف إلى مشاغله .. في حين أني كنت في أعماقي أحترق كليا مما دار بيننا للتو من جدال !!


و لست أدرك في واقع الأمر لما تصرفت مع عصام بمثل هذا التصرف.. ، و قد كان بامكاننا أن نحل الأمر وديا بيننا .. و أقنعه بوجهة نظري ..
على أن تعلو نبرة صوتي عليه هكذا .. و أمام الملأ .. !

إلا أني كنت قد صممت أني سأقاطع عصام نهائيا .. و أني سأبرهن له أنه من حقي أن أطلب الانفصال متى ما شعرت أن عصام ليس جديرا بالارتباط بي !

ثم هل يظن هذا العصام .. أنه قد امتلكني نهائيا .. و أنه لا حق لي بالانفصال ! أو حتى بالتعبير عن رأيي متى ما أدرت !

و لن أرجع إلى عصام .. إلا إذا فقط إذا ترك الأخرى ..!

و رفضت بناءا على هذا القرار استقبال أية مكالمات من عنده .. و لم أعد أرغب حتى في مقابلته!

فقط اعتكفت حجرتي .. و زاملت البكاء ..!!

في هذه الفترة ، و بينما أنا عكيفة وحدتي .. و بين جدران غرفتي !
شعرت للحظات عديدة بشعور وردي تسلل إلي ّ .. شعور حالم ناعس !
فقد كانت هذه فرصة لي بان أعيد من دراسة وضعي و تقيم موقفي ، و الإقرار بأخطائي ..!!

كنت أفتقد عصام و بشدة .. صورته كثيرا ما كانت تتجسم أمام عيني .. و ابتسامته لا تكاد تفارقني ..!
حتى صوته و هدوءه، و كذا حنانه .. كان أيضا يتجسم أمامي !!

شعرت بالفعل بحنين جارف إليه ، و تمنيت صادقة لو تعود المياه إلى مجاريها بيننا .. !

فلكم أتمنى لو يطل عصام علي الآن في هذه اللحظة بابتسامته الناعمة .. و أن يضمني إلى صدره.. و يغرقني في بحر حنانه .. !!

أحبه ..
هكذا اعترفت إلى نفسي أخيرا ..

بل و لا أقوى على الحياة دونه ..

إلا أن اعترافي لم يدم طويلا .. إذ كابرت نفسي مجددا .. و أنا أقر بأني لن أعود إليه .. حتى يقلع عن الشيشة .. و يعلم أني لست ملكا له .. أو لأي أحد!

و ها أنا قد تنازلت عن بعض شروطي .. إلا و هي صحبة المدخنين ,, فليس جميع المدخنين سيئون !

فليعد .. فقد اشتقت إليه كثيرا .. مع أن زعلنا هذه المرة لا يزال عمره يوما واحدا فقط .. أي أربعة و عشرين ساعة !
لكن و للمرة الأولى في حياتي أشعر بأن الزمن جد بطيء و أن اليوم الواحد فيه يتجاوز قرونا من الزمان !

ماذا لو اختارها هي .!!
ماذا لو لم يرجع ؟!!
ماذا لو فقدت عصام إلى الأبد !!

و إذ بالدموع تنساب .. بعنف على وجنتي .. و أنا أستسلم إلى مثل هذه الخواطر المزعجة !!
ارتفع طرق عنيف على باب غرفتي .. منعني من مواصلة البكاء .. لذا كفكفت دمعي .. و أنا أسمح للطارق بالدخول ..

كان محمد على الباب .. يلهث بشدة .. و بالكاد كان يتمالك أنفاسه !

استويت جالسة على سريري ، و بسرعة !! و قد راعني منظر محمد المرعوب !

" ماذا هناك ؟!! انطق !! ماذا حدث !! "
" أمي تريدك تحت و بسرعة !! ثمة أمر ما ! .. إنها تبكي .!"

قفز قلبي بين ضلوعي .. و لكان حدسي في أعماقي كان يهتف بحدوث أمر جم.. و أن خبرا سيئا في طريقه للوصول إلي ّ

نزلت عتبات الدرج قفزا.. لأتجمد أمام هيكل والدتي المنهارة على طرف المقعد.. و كانت سماعة الهاتف لا تزال بين يديها !

و قد أغرورقت عيناها بالدموع .. !

ما أن رأتني أمي أمامها .. حتى وقفت و قد فتحت لي ذراعيها.. لتحتضنني .. و قد عاودت البكاء ..

" ماما ؟!! .. ماذا هناك؟!!

لما تبكين ؟!! ماذا حدث ؟!! "

" عصام.. قد أ ُصيب في حادث سيارة أليم .. !
و هو في العناية المركزة الآن ! بين الحياة و الموت ! "


سحبت نفسي و بقوة من بين ذراعيها .. متراجعة خطوة واحدة إلى الخلف.. مركزة أنظاري على تعابير وجهها .. في أمل ضعيف أن يكون ما تفوهت به والدتي مجرد دعابة ..
أو أني في حلم مزعج .. أو بالأحرى كابوس مؤلم ..

لكني و للأسف الشديد لم أقرأ على وجهها سوى سطور الألم العميق .. و لم أرى سوى الدموع و العبرات .. تغرق محياها .. !!

" لاااا.. مستحيل ..!! "

صرخت .. و قد وضعت يدي على فمي .. محاولة أن أكبت نفسي من الانفجار..

طالعت أمي .. في أمل بائس .. و تمالكت شيئا من القوة لأسألها ..

" و هل سيعيش ؟!! "

" حالته خطرة جدا .. و لكن فلنأمل .. و ندعو الله أن يسترد عصام قواه و عافيته !! "


عبارتها هذه هزتني كليا .. لذا لم أعد أذكر أي شيء .. و قد دارت الدنيا أمامي .. و شعرت بأن كل شيء حولي قد صار حالكا أسود ..

و فقدت بهذا انتمائي كليا إلى الحياة .. و قد رحت ضحية إغماء مؤقت !
 
إنضم
13 أكتوبر 2008
المشاركات
4,915
الفصل الحادي و الثلاثون

عندما استيقظت.. و فتحت عيناي ببطء شديد .. و بدأت شيئا فشيء.. أدرك معالم الأشياء من حولي ..

فها هي أمي .. و هاهي صفاء ,, عادل .. أسماء .. محمد .. جميعهم يلتفون حولي ..

تمتمت بسكر و ثقل مؤلم ..

" أين أنا ؟!! "

" في المستشفى .. "

" و لماذا .!"

و قبل أن يجيبني أحدهم .. استرجعت ما حدث لي .. لذا هتفت بقوة و من كل أعماقي ..

" عصام .. عصام !!

هل هو بخير ؟!!! "

" عزيزتي .. هدئي من روعك .. عصام بخير ..!! "

كانت هذه هي أمي .. في محاولة منها لضبط أعصابي .. و التخفيف عني ..
لكني و في مثل هذا الوضع ، لم أكن لأصدق أو لأستوعب جيدا ما قالته لي أمي للتو..

لذا أعدت السؤال عليهم مرة أخرى ..!! و إن كان بصياغ آخر ..

" هل تماثل عصام للشفاء ؟! "

" لا .. ليس بعد .. لكنه قد تجاوز مرحلة الخطر !! "

نطق عادل مطمئنا.. مهونا الأمر علي ..
انتصبت واقفة على رجلي .. و اتجهت دون أية كلمة باتجاه الباب ..

هتفت صفاء مخاطبة إياي ..

"مرام ، إلى أين ؟! "

وقفت في مكاني .. لأرميها بنظرة شاحبة ..و أتمتم..

" إلى عصام .. ! "
" لحظة .. سآتي معك !! "

قادتني بعد ذلك صفاء ، عبر دهاليز متشابكة .. و سلالم متعددة ، فقد كان عصام لا يزال يرقد في الطابق الرابع ، أي في وحدة العناية المركزة !

هناك تجمدت للحظات على باب الوحدة .. قبل أن ألمح خيال عصام ، و قد ضُـمد رأسه بعدة لفافات .. و ألبست ذراعه الجبس كذلك .. و كذا إحدى قدميه..

أوقفت الممرضة التي كانت هناك لأسألها من خلف عبراتي .. بصوت مخنوق

" كيف هو حال عصام ؟"

" أفضل حالا .. و سيتم إخراجه من وحدة العناية المركزة اليوم .. تبعا لأوامر الطبيب ! "

" هل سيتماثل للشفاء ؟! "

" إن شاء الله .. فقد أنقذته العناية الإلهية من موت محتم .. ليصاب فقط بعدة كدمات و بضع كسور ! "

" الحمد لله .. الحمد لله .. "

و أخذت أكررها لعدة مرات بلا وعي مني .. كما قد بدأت عيناي تذرفان دمعا حارقا .. مفعما بعميق الشكر للمولى و الإقرار برحمته.. كما هو مفعم بالندم على تقصيري و جدالي المستمر مع عصام .!!

صحيح أني كنت غاضبة منه .. لكن مجرد شعوري و لو للحظة .. بأنه كان هناك احتمال فعلي لأن أفقد عصام للأبد .. و أن يختطفه القدر مني !

جعلني أدرك بالفعل مقدار عصام و محبته في قلبي .. و جعلني أقطع قسما لنفسي .. أني و منذ اليوم سأكون نعم الزوجة الصالحة له .. سأخدمه بجوارحي.. و أقف إلى جانبه ..
و الأهم أني سأتوقف عن عناده .. أي أني سأسمع كلامه .. مهما كان !

في اليومين التاليين ، كنت لا أفارق عصام فيهما بتاتا ً ، إلا للحالات الضرورية القصوى ..

فقد كنت أرغب أن أكون أول شخص تقع عينا عصام عليه .. حال ما يسترد وعيه بإذنه تعالى ..

و ها هي أمنيتي تتحقق .. ببركة المولى عز و جل .. و بالطبع ببركة دعاؤكم له ..

إذ فتحت عيناي ذات ليلة .. و قد رحت ضحية إغفاءة قصيرة من شدة التعب .. و قد وصل إلى سمعي صوت عصام ..متأوها ..
و الذي كان يفتح عينه في تلك اللحظة ببطء شديد ..

" ماء .. أريد ماءا !! "
قفزت إليه بجميع جوارحي .. غير مصدقة أنه قد استرد أخيرا وعيه .. بعد غيبوبة أربعة أيام .. مرت علي و لكأنها دهر !

ناولته الماء و أنا أهمس إليه ..

" تفضل حبيبي ! "

شرق عصام فجأة .. ليطالعني غير مصدق ..

" حبيبي مرة وحدة ! "

" بالطبع .. و ملك حياتي .. و روحي .. و تاج راسي !! "

" أووه .. كل هذا أيضا .. أخجل أنا من كل هذا الحب ! "

احمرت وجنتاي .. و هو يحتويني بنظرة عميقة دافئة .. قبل أن يتمتم سائلا

" و أين أنا حبيبتي ؟! ما الذي حدث لي بالضبط .. لا أكاد أذكر شيئا ! "

" انك في قلبي عزيزي ! "

ثم تداركت عبارتي خجلة .. " أقصد في المستشفى ! "

" فعلا ؟!! "
رمقني بنظرة غريبة، غير مصدقاً ! و من ثم استرسل قائلا :

" و هل يجب أن أكون مكسر الرأس و الأعضاء و مملوء بالكدمات ليحتويني قلبك أخيرا ؟! "

" لا.. لا أقصد هذا !! " و أطرقت رأسي أواري خجلي ..

ضحك عصام يتدارك الموقف .. و هو يكمل :

" لو كنت أعلم أنه هذه هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى قلبك ..
لكنت قد دعيت بعد كل صلاة أن يصيبني حادث سيارة في كل يوم ! بل و في كل لحظة! "

رمقته بنظرة غضب و أنا أقاطعه معاتبة ..
" أرجوك .. لا تقل هذا !! فأنا لا أستطيع الحياة دونك ! "

ثم رميت برأسي على صدره .. معانقة إياه.. قبل أن أهمس له ببضع كلمات خاصة ..

" اششش .. احنا قلنا خاصة .. فليش كل هذا الفضول !! "

و أغمضت عيني .. و تمنيت لعقارب الزمن أن تتوقف ..

تمت بعون الله و بحمده ..
ابنة الشهيد ..
2/2/2004


 
الحالة
مغلق و غير مفتوح للمزيد من الردود.
أعلى