الحلقه مئة و ستة عشر :
وكان زمن عيسى بن مريم مميزاً بالأطباء والحكماء الماهرين، فجاء بمعجزات يعجز عنها هؤلاء الأطباء، فكان يستطيع إبراء
الأكمه الذي هو أسوأ حالاً من الأعمى،
ويشفي الأبرص والمجذوم ومن به مرض مزمن، فضلاً عن إحياءه الموتى.
ورغم كل هذه الآيات العظيمة إلا أن طائفة من بني إسرائيل كفروا بما جاء به عيسى وقالوا: إن هذا إلا سحر مبين. فلما أحس عيسى منهم الكفر قال: من أنصاري إلى الله؟ ويساعدني في الدعوة إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون، ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. وسمى الحواريون بالنصارى لأنهم نصروا عيسى عليه السلام، وهذا من جملة نعم الله على عبده ورسوله عيسى أن جعل له أنصاراً وأعواناً ينصرونه ويدعون معه الى عبادة الله وحده لا شريك له،
وكان ممن آمن به أيضاً أهل انطاكية بكمالهم، وبعث إليهم عيسى رسلاً ثلاثة، فآمنوا واستجابوا، لكن طائفة أخرى من بني إسرائيل كفرت بعيسى ولم تنصره.
قال عيسى للحواريين: كلوا خبز الشعير واشربوا الماء القراح واخرجوا من الدنيا سالمين آمنين، بحق ما أقول لكم إن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة، وإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة،
وإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين، بحق ما أقول لكم إن شركم عالم يؤثر هواه على علمه يود أن الناس كلهم مثله.
طلب إنزال مائدة من السماء
أمر عيسى الحواريين بصيام ثلاثين يوماً، فلما أتموها سأل بعضهم عيسى إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم أن الله قد تقبل صيامهم وأجابهم إلى طلبتهم، وتكون لهم عيداً يفطرون عليها يوم فطرهم وتكون كافية لأولهم وآخرهم لغنيهم وفقيرهم، فقالوا: يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ فقال عيسى: اتقوا الله إن كنتم مؤمنين. قالوا: نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين.
فلما وعظهم عيسى عليه السلام في ذلك وخاف عليهم أن لا يقوموا بشكرها ولا يؤدوا حق شروطها فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك من ربه عز وجل، فقام إلى مصلاه وتضرع إلى الله في الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا فقال: اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدنا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين.
قال الله: إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين.
وأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون إليها تنحدر بين غمامتين، وجعلت تدنوا قليلاً قليلاً، وكلما دنت سأل عيسى ربه عز وجل أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها بركة وسلامة فلم تزل تدنوا حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام وهي مغطاة بمنديل فقام عيسى يكشف عنها وهو يقول “بسم الله خير الرازقين” ، فلما أكلوا منها برأ كل من به عاهة أو آفه أو مرض، ثم قيل إنها كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها، يأكل آخرهم كما يأكل أولهم، ثم كانت تنزل يوماً بعد يوم، ثم أمر الله عيسى أن يقصرها على الفقراء أو المحاويج دون الأغنياء، فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منافقوهم في ذلك، فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا في ذلك خنازير...
?... يتبـــــــ؏.....???