نسيم الربيع
~◦ღ( حكيمة الإستشارات الزوجية )ღ◦
- إنضم
- 25 نوفمبر 2006
- المشاركات
- 1,737
وذهبت إلى إدارة الجريدة التي أعمل بها.. وإذا بالدكتور يتصل بي تليفونيا ليتحدث معي في شأن له، ولم يخطر بباله أن يسألني.. ماذا فعل بي الكتاب؟ أو ماذا فعلت به.. واضطررت أن أقول له : إنني في حاجة إلى مناقشة بعض ما جاء في الكتاب معه.. والتقينا في الليل وحدثته عن الكارثة التي جاءتني من الصعيد، ولم يعلق على محاولتي إقناعهم بالعدول عن شركهم.. مع أنني منذ أيام فقط.. كنت لا أقل شركاً عنهم. وقلت له: ألا يلفت نظرك أنني أقول لهم ما كنت تقوله لي..؟
قال في هدوء يغيظ : إنه كان على يقين من أنني سوف أكون شيئاً مفيداً للدعوة.. وأردت الاحتجاج على أنني من "الأشياء" ولست من الآدميين لكن الدكتور لم يتوقف، وقال لقد صدر منك كل هذا بعد قراءة نصف الكتاب. فكيف بك إذا قرأت الكتب الأخرى ؟! وأغرق في الضحك!!
وعلمت بعد أيام أن قريبتي عادت من "طنطا" إلى الصعيد مباشرة دون المرور علينا في القاهرة، وأنها غاضبة مني، وشكتني لكل شيوح الأسرة، وفي الأسبوع الثاني.. فوجئت بجرس الباب يدق.. وذهب ابني الصغير ليستطلع الأمر .. ثم عاد يقول لي:
- إبراهيم الحران..
"الحران" . إنه زوج ابنة خالتي.. ماذا حدث..؟ هل جاءوا بخروف جديد، ونذر جديد لضريح جديد .. أم ماذا..؟ وقررت أن يخرج غضبي من الصمت إلى العدوان هذه المرة ولو بالضرب.. ومشيت في ثورة إلى الباب.. وإذا بهذا "الحران" يمد يده ليصافحني، ودعوته إلى الدخول فرفض.. إذاً لماذا جاء..؟ وفيما جاء وابتسم ابتسامة مغتصبة وهو يقول.. إنه يطلب كتاب : "الشيخ محمد بن عبدالوهاب "، الذي عندي، وحملقت فيه طويلا،، وجلست على أقرب مقعد..!
سقطت قلعة من قلاع الجاهلية.. لكن لماذا؟ وكيف كان ذاك السقوط؟ جاء صاحبي إبراهيم يسعى بقدميه.. يطلب ويلح في أن يبدأ مسيرة التوحيد.. لابد أن وراء عودته أمراً ليس من المعقول أن يحدث ذلك بلا أسباب قوية
جعلت أعماقه تتفتح ، وتفيق .. على حقائق غفل عنها طويلاً . . !
ورحمة بي من الذهول ، والإغماء الذي أوشك أن يصيبني . . بدأ يتكلم ، وكانت الجملة التي سقطت من فمه .. ثقيلة كالحجر الذي يهبط من قمة جبل .. صكت سمعي .. ثم ألقت بنفسها تتفجر على الأرض .. تصيب وتدمي شظاياها وقال :
- لقد مات ابني عقب عودتنا .. ! إنا لله وإنا إليه راجعون .. هذا .. هذا هو الولد الرابع الذي يموت لإبراهيم تباعاً ، وكلما بلغ الطفل العام الثالث .. لحق بسابقه . . وبدلاً أن يذهب إلى الأطباء ليعالج زوجته ، بعد التحليلات الازمة .. فقد يكون مبعث ذلك مريضاً في دم الأب أو الأم .. اقتنعنع ، وقنع بأن ينذر مع زوجته مرة للشيخ هذا ، ومرة للضريح ذاك ، وأخرى لمغارة في جبل بني سويف .. إذا عاش طفله ، ولكن ذلك كله لم ينفعه .. ورغم الجهل والظلم الذي يظلمه لنفسه .. إلا أنني حزنت من أجله .. تألمت حقيقة .. أخذته من يده .. أدخلته.. جلست أستمع إلى التفاصيل ..!
لقد عاد من طنطا مع زوجته إلى بلدهما .. وحملا معهما بعض أجزاء من "الخروف " الذي كان قد ذبح على أعتاب ضريح "السيد البدوي" . . فقد كانت تعاليم الجهالة تقضي بأن يعودا ببعضه .. التماساً لتوزيع البركة على بقية المحبين - وأيضاً - لكي يأكلوا من هذه الأجزاء .. التي لم تتوافر لها إجراءات الحفظ الصالحة ففسدت .. وأصابت كل من أكل منها بنزلة معوية .. وقد تصدى لها الكبار وصمدوا .. أما الطفل .. فمرض ، وانتظرت الأم بجهلها .. أن يتدخل "السيد البدوي" .. لكن حالة الطفل ساءت .. وفي آخر الأمر ذهبت به للطبيب الذي أذهله .. أن تترك الأم ابنها يتعذب طوال هذه الأيام .. فقد استغرق مرضه أربعة أيام .. وهز الطبيب رأسه ، ولكنه لم ييأس .. وكتب العلاج .. "أدوية" وحقن ، ولكن الطفل .. اشتد عليه المرض ولم يقوى جسمه على المقاومة .. فمات !
من موت الطفل بدأت المشاكل .. كانت الصدمة على الأم .. أكبر من أن تتحملها .. ففقدت وعيها .. أصابتها لوثة .. جعلتها تمسك بأي شيء تلقاه ، وتحمله على كتفها وتهدهده وتداعبه على أنه ابنها .. أما الأب فقد انطوى يفكر في جدية بعد أن جعلته الصدمة .. يبصر أن الأمر كله لله .. لا شريك له .. وأن ذهابه عاماً بعد عام .. إلى الأضرحة والقبور .. لم يزده إلا خسارة .. واعترف لي .. بأن الحوار الذي دار بيني وبينه .. كان يطن في أذنيه .. عقب الكارثة ، ثم صمت ..! فقلت له : بعض الكلام الذي يخفف عنه ، والذي يجب أن يقال في هذه المناسبات .. ولكن بقي في نفسه شيء من حديثه .. فهو لم يكمل ماذا حدث للسيدة المنكوبة وهل شفيت من لوثتها أم لا ؟
فقلت له : لعل الله قد شفي الأم من لوثتها .؟ ! فأجاب وهو مطأطىء الرأس .. إن أهلها يصرون على الطواف بها .. على بعض الأضرحة والكنائس - أيضاً - ويرفضون عرضها على أي طبيب من أطباء الأمراض النفسية والعصبية ..ليس ذلك فحسب .. بل ذهبوا بها إلى "سيدة" لها صحبة مع الجن فكتبت لها على طبق أبيض .. وهكذا تزاد العلة عليها في كل يوم وتتفاقم .. وكل ما يفعله الدجالون يذهب مع النقود المدفوعة إلى الفناء .. !
وحينما أراد أن يحسم الأمر .. وأصر أن تعرض على طبيب .. أو يطلقها لهم .. لأنهم سبب إفسادها .. برزت أمها تتحداه ، وركبت رأسها فاضطر إلى طلاقها وهو كاره .. !
أثارتني قصته ، ورغم حرصي على النسخة التي حصلت عليها من " الدكتور جميل " إلا أنني أتيته بها وناولتها له .. فأمسك بها وقلّبها بين يديه .. وعلى غلافها الأخير كان مكتوباً كلام راح يقرؤه بصوت عال .. كأنه يسمع نفسه قبل أن يسمعني "نواقض الإسلام" من كلمات شيخ الإسلام "محمد بن عبد الوهاب" .. { ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ، ومأواه النار وما للظالمين من أنصار } .
ومنه الذبح لغير الله ، كمن يذبح للجن أو للقبر .
ورفع رأسه فحملق في وجهي .. ثم أخذ الكتاب ، وانصرف ، واشترط أن يعيده لي بعد أيام ، وأن أحضر له من الكتب ما يعينه على المضي في طريق "التوحيد"..!