
تردد الصوت الأنثوى الناعم .. " حلمكِ بالجمال أصبح حقيقة .. الآن يمكنكِ تفتيح لون بشرتكِ في أيام معدودة .. لتنعمين ببشرة جميلة بيضاء كالقمر و....... " تابعت فى حسرة باقى الإعلان التيلفزيوني لهذا المنتج العجيب الذى يحول الفتاة السمراء إلى بيضاء فاتنة .. عضضت شفتى بغيظ وأنا أتذكر كم هذه المنتجات البراقة التي اندفعت لشراؤها بجنون لتحقيق حلمي بالحصول علي بشرة بيضاء .. والنقود التى أنفقتها دون جدوى ولم تحصل بشرتى على اللون الأبيض .. أغلقت جهاز التلفاز وقمت من مقعدى وتوجهت نحو المرآة .. تأملت ملامح وجهى .. والتى يختفى جمالها خلف جلدى الداكن .. آآآه لو كنت ذات بشرة بيضاء .. لكنت أسعد فتاة علي وجه الأرض .. لكم تؤلمنى بشرتى السمراء التى فشلت كل محاولاتى لتفتيحها وإزاحة تلك السمرة عنها .. والتى ظلت متشبثة بجلدى بشكل غريب حتى أنه يفترسنى الغيظ منها .. بل أشعر أحيانا بالغيظ من أمى التى لم تمنحنى بياض بشرتها وإنما ورثتنى سمرة أبى .. كانت تضحك وتقول لي أننى أشبه أبى لشدة حبها له .. وأنها تفضل قلبه الأبيض علي أن ينتقل هذا اللون إلي بشرته السمراء .. ولكن حديثها الحالم كان يزيد من غضبى وثورتى علي لونى الذي أمقته .. بل أحيانا أتمنى لو قمت بتمزيق جلدى واستبداله بآخر .. فأنا أتمزق حينما أرى الفتيات البيضاوات من حولى .. وأعرف كم أن حظهم فى الحياة سيكون أفضل من حظى .. فمن المؤكد أن الشباب لا ينجذبون سوى للبيضاوات .. لذا فأنا أعلم أن لا حظ لي في الحب والزواج وكل هذا بسبب لونى .. حتى مساحيق التجميل لم تفلح فى تغييره .. ازدادت نوبة الغيظ داخلى وكدت أحطم المرآة اللعينة .. قبل أن يرن جرس الهاتف وينقذها منى .. رفعت سماعة الهاتف بحدة .. تناهى إلي سمعى صوت صديقتى التى طلبت منى أن أقابلها سريعا لأنها تحمل لي خبرا سعيدا .. واتفقنا أن نتقابل في الكافيتريا القريبة من منزلى ..
ذهبت فى الموعد وجلست بانتظارها .. وتشاغلت بمتابعة الوجوه من حولى .. وقلبى يغوص حزنا كلما مرت من أمامى ذات وجه أبيض .. بل أصبحت أشعر بالبغض والحقد الشديد لكل من تحمل هذا اللون .. حاولت إخفاء نظراتى الحاسدة حتى لا تصل إلي واحدة منهن .. نظرت فى ساعة يدى .. لماذا تأخرت هكذا؟ .. ثم ما هو الخبر السعيد؟ .. فكرت قليلا .. حسنا ربما تقدم أحدهم لخطبتها وتريد أن تغيظنى بالخبر .. بالطبع فهى تحمل بشرة خمرية فاتحة وليست داكنة مثلى .. ابتلعت غيظى فى صمت وأنا أتخيلها في ثوب العرس الأبيض .. الذي لن أرتديه قط .. حاولت استعادة بعض من هدوء نفسى حتى لا أنفجر بالبكاء .. لاحت منى التفاتة إلى جانبى قبل أن تقع عيناى عليه .. كان شابا فى منتصف العشرينيات من عمره .. أنيق بشكل لافت للنظر .. تتناقض سترته الداكنة مع لونه الشديد البياض .. خفق قلبى بشدة .. قبل أن يعاودنى الغضب من جديد .. فكيف لشاب مثله أن يستحوذ علي كل هذا الجمال لنفسه .. حتى لون بشرته ... كدت أبكى قهرا .. ولكنى قررت أن أراقبه .. كان يبدو أنه ينتظر قدوم أحد .. كان يتلفت حوله بلهفة .. ثم ينظر لساعة يده أو يمرر أصابعه على خصلات شعره الحريرى .. ربما ينتظر حبيبته .. نعم يبدو كذلك .. لابد أنها فى مثل جماله وتحمل ذات البشرة البيضاء السعيدة الحظ .. قررت أن أنتظرها معه .. يجب أن أرى تلك الفتاة المحظوظة .. مرت دقائق وأنا أتابع كل فتاة تدخل إلى المكان .. مرت العديد من الجميلات ولكن لم تكن واحدة منهن الفتاة المنتظرة .. ثم انتبهت لإحدى الفتيات وهى تدخل المكان بخطوات هادئة وابتسامة مشرقة .. كانت رقيقة للغاية ذات ملامح دقيقة و .... بشرة سمراء داكنة .. إنها حتى أشد منى سمرة .. شعرت بالشفقة عليها .. لابد أن حالها مثلى .. وشعرت برغبة شديدة في أن أذهب إليها وأربت على كتفها وأنفجر معها بالبكاء على حرماننا من البشرة البيضاء التى أقيس من خلالها حظ كل فتاة بحسب نصيبها منها .. ولكن الفتاة لم يبدو عليها أنها تكترث للونها الداكن ولا تخجل منه .. بل إن خطواتها واثقة للغاية وابتسامتها تمنحها جمالا وإشراقا .. تابعتها بعينى وهى تتوجه نحو الـ ...
انتفضت فى فزع من فوق مقعدى وكدت أسقط أرضا من أثر المفاجأة .. تماسكت فى اللحظة الأخيرة .. فقد كانت الفتاة السمراء تتجه نحو طاولة الشاب الجميل الذى تهللت أساريره عند رؤيته لها وقام من مقعده والسعادة تتقافز من عينيه وهو يستقبلها .. ويجذب بإحترام مقعدها لتجلس أولا .. تابعته كالمذهولة وأنا لا أكاد أصدق .. أهى من كان ينتظرها !!.. انتبهت للطوق الذهبى اللامع بين أصابع الفتاة .. والذى أظهره بوضوح لون يدها الداكن .. إنها دبلة خطوبة .. أسرعت بالتفتيش بعينى بين أصابع الشاب قبل أن ألحظ الطوق الفضى الذي يعانق إصبعه .. إنها خطيبته .. تلك السمراء الداكنة خطيبة لذلك الشاب الأبيض الجميل .. كيف .. كيف هذا؟!! .. كيف استحوذت على قلبه وأسرت عقله برغم لونها الداكن؟! .. كدت أجن من الفكرة .. وتابعت بدهشة نظرات الشاب المفعمة بالحب لخطيبته السمراء الرقيقة .. هل هناك ما يجذبه إليها بخلاف ملامحها !! .. مازلت في ذهولى كتمثال من الشمع .. حتى أننى لم انتبه لوصول صديقتى ومحاولاتها لجذب انتباهى .. استغرقت بعض الوقت حتى عدت إلي رشدى .. نظرت لصديقتى وهى تبتسم وتلوح بيدها أمام وجهى وهى تحمل علبة أنيقة .. نظرت لها قائلة "ماهذا؟" .. أجابت بسرعة " إنه الحلم .. ذلك المنتج الرائع .. إنه ماكنتِ تبحثين عنه .. ونتائجه مضمونة فى تفتيح لون البشرة وجعلها بيضاء جميلة و ......... " لم أسمع باقى حديثها .. ذهبت في شرودى من جديد .. وعيناى تعانق الوجه الداكن الجميل .. وشعور غامض يكتنفنى .. معقول ؟! هل ........ أفقت على صوت صديقتى وهى تقول "ها .. ما رأيكِ؟" .. تسمرت عيناى على العلبة التى تحتضنها يدها للحظات قبل أن أشير لها بيدى قائلة بشرود " لا أريد " نظرت إليّ في دهشة غير مصدقة لما سمعته منى وهى تهتف " ماذا قلتِ؟ " .. أجبتها فى حزم " قلت لا أريد " وربتت عيناى على ملامح السمراء الجميلة الواثقة من نفسها وأجبتها " لن أغير لون جلدى .. سأبقى كما أنا .. إننى جميلة هكذا .. ولن أغير خلق الله بيدى " .. وقمت من مكانى تاركة صديقتى في ذهولها ومضيت خارجا قبل أن تتوقف خطواتى عند طاولة الحبيبين وانحنيت على الفتاة وأنا أربت على كتفها وهمست لها قائلة " شكرا لكِ " وأسرعت بالخروج قبل أن أصطدم بنظرة الدهشة في عينيها .. ومضيت في طريقى بخطوات واثقة .. تزين بشرتى السمراء ابتسامــــة مشرقــــة ...
التعديل الأخير بواسطة المشرف: