تعالت ضحكات نبيل وهو يشاهد فيلم كارتون على شاشة التلفاز ويبدو مندمجا تماما مع الأحداث قبل أن يقطعها رنين الهاتف المتواصل .. تلفت نبيل حوله ليجد من يرد على الهاتف دون فائدة .. حاول أن يتابع الفيلم مرة أخرى ولكن صوت الهاتف المزعج يضايقه .. تلفت حوله مرة أخرى ومن ثم إقترب من الهاتف ببطء ومد يده المرتعشة ليرفع السماعة و...
- ألم أقل لك ألا تلمس الهاتف أبدا
انتفض نبيل فزعا على صوت أخيه الغاضب وعاد للوراء قبل أن يختطف أخيه السماعة من يده ويتحدث مبتعدا عنه .. عاد نبيل لمتابعة الفيلم ولكنه كان متوترا يرمق أخيه بين لحظة وأخرى حتى أنهى المكالمة وصعد لحجرته بالدور العلوى
أقفل نبيل جهاز التلفاز بيد مرتعشة ثم صعد درجات السلم للدور العلوى ووقف أمام حجرة أخيه مترددا قبل أن يطرق بابها ببطء ويدخل إلى الحجرة .. وجد أخاه جالسا أمام شاشة الكمبيوتر وأصابعه تضغط على مفاتيح لوحته فى سرعة .. تابع نبيل بعينيه هذا الجهاز العجيب .. إنه مسل أكثر من التلفاز .. كم يتمنى لو استطاع ان يلعب عليه مثلما يفعل أخيه .. ولكن أخيه يرفض تماما أن يقترب منه أو يلمسه .. إنه ملكية محظورة .. أفاق نبيل من أفكاره على صوت أخيه وهو يقول
- ماذا تريد ؟
أجابه نبيل بصوت متقطع
- حا .. حازم .. أ .. أرجو أ ألا تغضب منى .. لـ لم يكن أ أحد مــــ موجود غـــ غيرى وا الهاتف يرن و ..
قاطعه أخيه بضيق
- كفى كفى .. انتهينا
ثم أغلق جهاز الكمبيوتر وهو يقول
- ولكن لا ترد على الهاتف أبدا بعد ذلك هل تفهم ؟
ثم نظر له بسخرية قائلا
- آسف .. نسيت أنك لا تفهم شيئا
نظر له نبيل محاولا أن يقول شيئا قبل أن يجمع حازم أغراضه ويخرج من الحجرة .. دمعت عينا نبيل واقترب من شاشة الكمبيوتر ولمسها بأصابعه وهو يقول
- أ أنا أ أفهم يا حا حازم .. أ أنا .. أ أفهم
ثم تهاوى على المقعد وأنخرط فى بكاء طويل ...
طرق نبيل باب حجرة والدته ودخل .. كانت تتحدث فى الهاتف كعادتها كل صباح .. وقف نبيل ينتظرها حتى أنهت مكالمتها .. وما ان إلتفتت حتى وجدته .. تجمدت لحظات قبل أن تشيح بوجهها عنه وهى تقول
- أتريد شىء ؟
ابتسم نبيل لها قائلا
- لــ لقد ا افتقدك يا أ أمى كثيرا .. لــ لم أ أرك منذ أ أمس
أغمضت أمه عينيها فى ألم وهى تقول
- كنت عند بعض الأصدقاء كما اننى مشغولة دائما
نظر لها نبيل وتوجه ناحيتها وهو يقول
- كــ كم أ أتمنى أن تــ تجدى ل لى وقتا يــ يا أ أمى .. إ إنك د دائما مـ مشغولة
نظرت له لحظات قبل أن تتحرك بعيدا عنه قائلة
- أنت تعرف أن لا وقت لدى .. ثم أنت لا ينقصك شىء .. لقد كبرت ولا تحتاج لى
اقترب منها نبيل وهو يقول برجاء
- ل لا لا يا أ أمى أأنا أحتاج إإليك كــ كثيرا و ...
قاطعته قائلة وهى تتحرك نحو هاتفها النقال
- لقد نسيت .. يجب أن أجرى مكالمة هامة
وإنشغلت بالضرب على أزرار الهاتف .. نظر لها نبيل بعينين دامعتين قبل أن يغادر الحجرة فى صمت .. أختلست والدته نظرة إلى باب حجرتها فى توتر ثم ألقت بهاتفها النقال بعيدا قبل أن تهوى على مقعدها وتغطى وجهها بكفيها وتجهش بالبكاء
نزل نبيل درجات السلم وهو يمسح دموعه قبل أن يتناهى إلى سمعه صوت أبيه
- نبيل
مسح نبيل دموعه بسرعة ورسم على وجهه ابتسامة وهو يقول
-أ أهلا يــ يا أأبى
ابتسم له والده وهو يقول
-كيف حالك اليوم يا نبيل ؟
أجابه
- بــ بخير و والحمد لله يا أأبى
نظر له والده للحظات قبل أن يقول وهو يرفع وجه نبيل بيده
- هل كنت تبكى يا نبيل ؟
أجابه نبيل فى سرعة
- لا ل لا يا أأبى لــ لم أ أكن أبكى
نظر له والده قبل أن يقول
- هل هو حازم مرة أخرى ؟ .. أما زال يضايقك ؟
أجابه نبيل
-لـ لا يا أأبى أأبدا أن حا حازم ..لــ لطيف معى جـ جدا .. وأأنا أأحبه كثيرا
ربت والده على كتفه قائلا
- ليته يحمل مثل قلبك الرقيق هذا ولكنى أعرفه جيدا
ثم شرد ببصره قليلا قبل أن يقول
- يجب أن أذهب إلى المستشفى الآن .. هل تريد شيئا يا نبيل؟
أجابه نبيل مبتسما
- شـ شكرا ل لك يا أأبى .. لا يــ ينقصنى شىء
ثم انصرف والده لعمله وتوجه نبيل نحو جهاز التلفاز وقام بتشغيله وجلس لمتابعة فيلم الكارتون مرة أخرى
عند تناول الغذاء كان الوالد يحرص دائما على جمع أسرته.. فقد كان الوقت الوحيد الذى يجمعهم على مدار اليوم .. والذى كان يسعد نبيل لكونه وسط أسرته كلها مالم يتعلل حازم أو أمه بانشغالهما ليتغيبا عن موعد اللقاء الأسرى
كان نبيل يعرف جيدا انهم يتجنبون الإجتماع به .. كان يعرف وإن كان لا يدرى السبب فى ذلك الوحيد الذى يجلس معه رغم انشغاله الكبير هو والده .. لا أحد يجد له وقتا .. الجميع مشغولون .. وهو لا أصدقاء له
فقد شبع فى صغره من سخرية أقرانه لطريقة حديثه .. الكل يسخر منه ويهينه ويعامله على أنه بلا عقل ..رغم أنه يفهم جيدا كل شىء وكان متفوق فى المدرسة وكل مراحل التعليم .. كان يهرب من ملاحقة الجميع له وسخريتهم منه .. ولكن لا ذنب له فى ذلك .. لقد كان يجلس الساعات الطوال فى حجرته محاولا أن ينطق جملة واحدة بطريقة صحيحة دون أن تتقطع أحرفها بين شفتيه .. ولكن لم يعرف .. لم يقدر
أغلق عالمه على نفسه .. صادق جهاز التلفاز ومكتبة أبيه .. إنهما عالمه .. يعرف منهما كل ما يحدث حوله .. يعرف أخبار العالم .. السياسة .. الإقتصاد .. يتابع البرامج العلمية .. يقرأ عن الفضاء .. أخذ عقله يستوعب بسلاسة كل الأمور المعقدة .. بإختصار كان يحمل عقلا عبقريا .. ولسانا عاجزا عن التعبير .. وان كان جل عشقه لعالم الأطفال الذى لم يعشه قط .. يتابع أفلام الكارتون بشغف .. يجذبه كل ما يجذب طفلا صغير .. ربما كان هذا ما صور للجميع أنه بلا عقل .. أوانه يحمل عقل طفل صغير
-أبى .. سوف أذهب إلى النادى
قالها حازم بصوت عال وهو يحمل حقيبته الرياضية ويهم بمغادرة المنزل ألقى والده نظره على نبيل الذى تكوم على الأرض فى ركنه المفضل أمام التلفاز .. ثم استوقف حازم وهو يهتف
-انتظر يا حازم
التفت له حازم قائلا
- نعم يا أبى
صمت أبيه لحظة قبل أن يقول
- اصطحب أخيك معك إلى النادى
نظر له حازم مندهشا وهو يقول
- ماذا ؟؟؟
أجابه والده بحزم
-أعتقد أنك سمعتنى جيدا
ألقى حازم نظرة غاضبة على نبيل الذى لم ينتبه لحديثهما ثم التفت لوالده قائلا
- ولكن يا أبى .. أنا لدى مباراة فى التنس اليوم ولن أكون متفرغا له
أجابه والده بحدة
-إنه ليس طفلا لتتفرغ له .. فقط اصطحبه إلى هناك
نظر له حازم قبل أن يقول بسخرية
- ليس طفلا !!! ما هو إذن ؟؟
نظر له والده بغضب قائلا
-أقسم يا حازم أننى لو سمعت منك مثل هذه التعليقات على أخيك الكبير .. فلسوف ترى منى ما لن تتخيله قط .. هل تفهم ؟
خفض حازم رأسه وهو يقول
- أنا آسف يا والدى
ثم توجه نحو نبيل قائلا
- نبيل .. هيا ستذهب معى إلى النادى
نظر له نبيل مندهشا بينما رفع والده صوته قائلا
- هيا يا نبيل .. اذهب مع أخيك
تهللت أسارير نبيل وهو يعتدل واقفا وربت على كتف حازم وهو يقول
- شـ شكرا يـ يا أ أخى .. شـ شكرا ك كثيرا ..
أبعد حازم يد نبيل عن كتفه فى ضيق .. ثم سبقه إلى الخارج وتبعه نبيل ..
تابعهما والدهما بعينيه قبل أن يصعد إلى الدور العلوى ويطرق باب إحدى الحجرات ويدخلها .. ثم ألقى نظرة على من فيها قبل أن يقول
- لماذا لم تشاركينا الغذاء اليوم ؟
نظرت له الأم قائلة
- لا شهية لى
أجابها
-لا شهية لكِ أم لا تريدين رؤية ولدكِ ؟
أجابته
- لقد جائنى هذا الصباح وتحدثت معه
أجابها ساخرا
- ياله من تنازل .. ما كل هذا الحنان الذى تغدقينه عليه
أجابته بعصبية
- أرجوك لا تسخر منى .. لا يسعنى عمل شىء لمساعدته
نظر لها قائلا
- هو لا يريد مساعدتكِ ولا يحتاج لها .. إنه يريد حنانكِ فقط .. لا أدرى كيف يسمح لكِ قلبكِ بالقسوة عليه هكذا .. بالله عليكِ إنه ابنكِ
قاطعته قائلة بصوت باكى
-كفى أرجوك
ثم إنخرطت فى البكاء .. تنهد قبل أن يربت على كتفها قائلا
- أنا لم أقصد أن أضايقكِ .. ولكنى لا أفهم سر معاملتكِ الجافة له .. إنه لا يستحق ذلك أبدا
بدأت تسترد انتظام أنفاسها من جديد قبل أن تقول
- أنا السبب .. إنه ذنبى أنا .. إن الأدوية التى تناولتها قبل معرفتى بحملى به قد تسببت فيما هو فيه الآن .. أنا لا أسامح نفسى قط .. كلما رأيته ينتابنى شعور مرعب وكأننى مجرمة وتلاحقها ضحيتها .. لا أستطيع رؤية وجهه الجميل ورجولته الواضحة وهو يتحدث بطريقة طفولية وتتهدج كلماته .. أشعر أننى أعتصر ألما من أجل ذلك .. لا يمكننى احتمال هذا أبدا إنه فى السابعة والعشرون من عمره ويحمل عقل طفل صغير .. أى أم تحتمل هذا
قاطعها منفعلا
- قلت لك من قبل أن لا شىء يعيب عقل نبيل .. إنه ليس معاقا ذهنيا صدقينى .. إنكِ لم تتحدثى معه من قبل لتعرفى ذلك .. إنه يعانى من بعض العيوب فى جهاز النطق .. وربما يرجع ذلك لسبب نفسى أو أى شىء آخر ولكن عقله سليم تماما .. أنا متأكد من ذلك
بدأت فى البكاء مجددا .. ربت على كتفها قائلا
- رغم كل هذا هو لا ذنب له وإن كنتِ أخطأتى بحقه دون قصد كما تظنين فأنتِ الآن تقتليه بتجاهلكِ له عن عمد.. أرجوك كونى له أما .. أشعريه بحنانكِ .. ترفقى به
نظرت له بعينين دامعتين ومسح هو بيديه دموعها .. ثم التفتت إلى الصورة الوحيدة الموضوعة على دولابها الصغير .. صورة نبيل
وصل نبيل مع حازم إلى النادى .. وبدا نبيل منبهرا بما يراه للمرة الأولى .. بينما كان حازم متبرما لوجود أخيه الذى يعوق حركته .. توقف حازم فجأة قائلا لنبيل وهو يشير لأحد المقاعد
- انتظرنى هنا حتى انتهى من المباراة وأعود إليك
نظر له نبيل قائلا
- أ ألن آ تى مـ معك
نظر له حازم فى ضيق وأجلسه على المقعد قائلا
-لا لن تأتى معى .. ستنتظر هنا .. اطلب لنفسك شيئا لتشربه
ثم صمت قليلا قبل أن يقول
- لا بل سأطلب لك أنا .. ثم قرب وجهه منه قائلا
- من الأفضل ألا تتحدث إلى أحد هنا .. هل تفهم ؟
ثم تركه حازم وابتعد بخطوات سريعة وهو يشير إلى مجموعة من أصدقائة بيده فى مرح .. تابعه نبيل بعينيه .. كان يعلم أنه متضايق من وجوده معه .. ربما أيضا لا يرغب فى أن يعلم أحد بأنه شقيقه
كان نبيل غارقا فى أفكاره ولم يلحظ نظرات بعض الفتيات له والجالسات على الطاولة المجاورة .. إنبرت احداهن تسأل الأخرى
- هل رأيتى هذا الشاب هنا من قبل ؟
أجابتها
- لا .. إنها المرة الأولى التى أراه فيها
بينما قالت ثالثة وهى ترمقه بإعجاب
-إنه وسيم للغاية
وعلقت احداهن
- لقد رأيته بصحبة حازم منذ قليل .. ربما هو صديقه
قالت الأخرى
-لماذا لا نسأله ؟ .. هيا بنا يا فتيات
انتبه نبيل من شروده على ضحكات الفتيات وهن يجلسن على طاولته .. نظر لهن بدهشة .. بينما بادرته إحداهن
- مرحبا .. هذه أول مرة نراك فى النادى وقالت أخرى
- نود التعرف عليك .. ما اسمك ؟
وانبرت الثالثة
- هل أنت صديق حازم ؟
أمطرنه بسيل من الأسئلة .. بينما نظر لهن نبيل فى صمت متوتر فلم يشأ أن يفتح فمه بكلمة واحدة
سألته احداهن
- لماذا لا تتكلم ؟
وقالت أخرى
-هل انت خجول ؟
وتعالت ضحكاتهن التى تسببت فى إزدياد توتره أكثر .. فلم يكن معتاد على الحديث مع أحد ولاسيما الفتيات .. نظر نبيل حوله باحثا عن أخيه بينما بادرته إحداهن
- مابك ؟ لماذا لا تتحدث ؟ هل تبحث عن أحد ؟
ضحكت إحداهن وهى تقول
- ربما يبحث عن صديقته .. ويخشى ان تراه معنا
سألته الثالثة
ترى من هى سعيدة الحظ ؟
قاطعهن صوتا هادئا يقول
- أنا
التفت الثلاثة خلفهم بينما نظر نبيل بدهشة لتلك الفتاة الجميلة الماثلة أمامه وقد عقدت ساعديها أمام صدرها ناظرة للفتيات الثلاث واللاتى قمن بحرج وابتعدن عنها قبل أن تلتفت هى لنبيل وتبتسم له قائلة
- مرحبا يا نبيل
نظر لها نبيل مندهشا بينما جلست بجواره قائلة
- اسمى سلمى
نظر له نبيل صامتا
قالت
- أنا أعرفك جيدا أنت نبيل وجدى ابن الدكتور وجدى عاصم .. أليس كذلك ؟
هز نبيل رأسه إيجابا .. ابتسمت له سلمى قائلة
- أنا أعمل مع والدك فى المستشفى وقد عرفتك من الصورة التى يضعها الدكتور وجدى على مكتبه .. كما أنه حدثنى عنك كثيرا
ابتسم لها نبيل فى صمت بينما قالت سلمى
- أنا طبيبة أطفال .. وقد اخترت هذا التخصص لعشقى للأطفال .. أنهم زهرات هذا الكون أليس كذلك يا نبيل ؟
هز نبيل رأسه مجددا .. نظرت له سلمى قائلة
-بإمكانك التحدث معى يا نبيل
نظر لها متسائلا .. هزت رأسها فى إشارة ذكية فهمها نبيل على الفور وابتسم قائلا
- شـ شكرا لك
ابتسمت له سلمى قائلة
- لماذا لا تأت إلى النادى كثيرا .. إنها المرة الأولى التى أراك فيها هنا
هز نبيل كتفيه قائلا
- أنا أ أقضى معظم ا الوقت فـ فى البـ بيت .. أأنا احب االقراءة و و ا التلفاز
ضحكت سلمى وهى تقول
- ولكن هناك أشياء أكثر فى الحياة لتفعلها ..
نظر لها مجددا قبل أن يقول
- أ أنا لـ ليس لدى أأصدقاء مـ مثل حا حازم ابتسمت له سلمى وهى تمد له يدها قائلة
- حسنا .. هل تقبل أن نكون أصدقاء
نظر لها نبيل قليلا قبل أن يمد يده لها قائلا
- نـ نعم .. أ أقبل
وعلت وجهه ابتسامة صافية ومضا يتحدثان معا فى كل شىء مما أثار دهشة نبيل من نفسه .. كيف أفلت لسانه من عقاله ومضى يتحدث هكذا
مضت نحو الساعتين قبل أن يظهر حازم من بعيد .. واقترب من الطاولة الجالس عليها نبيل وسلمى وهو ينظر للأخيرة بدهشة .. نظر له نبيل قائلا
- حا حازم .. هذه ا الدكتورة سـ سلمى وهى تـ تعمل مع أأبينا فى ا المستشفى
نظر لها حازم وعلى وجهه ابتسامة مدروسة وهو يمد يده نحوها قائلا
- تشرفت بمعرفتك يا سلمى .. ثم ألقى نظرة نحو نبيل وهو يقول
-أرجو ألا يكون قد أضجرك بحديثه
نظرت له سلمى قائلة
- بالعكس ان ثقافة وإطلاع نبيل مادة رائعة للحديث حتى أننى لم أشعر بالوقت
رفع حازم حاجبيه مندهشا وهو يقول بسخرية
- ثقافة وإطلاع نبيل !!!
خفض نبيل رأسه خجلا بينما حدجته سلمى بنظرة غاضبة قبل أن تقوم وهى تمد يدها لنبيل قائلة
- تشرفت بمعرفتك يا نبيل .. أرجو أن أراك قريبا
وقف نبيل مسلما عليها قائلا
- إ إن شـ شاء الله
ابتسمت له سلمى وانصرفت غير مبالية لوجود حازم الذى صب جام غيظه على نبيل قائلا بعصبية
- ثقافتك أنت !! .. كيف؟؟
نظر له نبيل قائلا
- مــ ماذا فعلت فى ا المباراة ؟
نظر له حازم فى غيظ وهو يقول
- لا شأن لك .. هيا لأعيدك إلى البيت
ثم تحرك مبتعدا عنه وتبعه نبيل فى صمت
فى البيت .. صعد حازم إلى حجرته .. بينما جلس نبيل على أحد المقاعد شاردا .. ثم انتبه على صوت والده يقول
- نبيل .. هل استمتعت بوقتك فى النادى ؟ .. ابتسم له نبيل
- نعم يا أأبى كـ كثيرا
ثم اعتدل قائلا
- تـ تعرف يا أأبى ل لقد قابلت ســ سلمى .. ا الدكتورة سلمى
ابتسم له والده قائلا
- حقا ... إنها طبيبة الأطفال فى المستشفى كما أنها فتاة رائعة
ابتسم نبيل بشرود وهو يقول
- نــ نعم يا أ أبى هى ر رائعة
ثم انتبه لكلمته فإستدرج قائلا
- كـ كما أنها تـ تحب الأطفال كــ كثيرا
ابتسم والده وهو يربت على كتفه وعقله يفكر فيما لم يخطر بباله من قبل .. ثم قال
- لقد كبرت يا نبيل .. فعلا
طرقت الدكتورة سلمى باب حجرة الدكتور وجدى فى هدوء قبل أن تدخل وعلى وجهها ابتسامة قائلة
- صباح الخير يا دكتور
ابتسم لها الدكتور وجدى قائلا وهو يشير للمقعد المقابل له
- صباح الخير يا سلمى .. تفضلى
جلست سلمى قائلة
- شكرا لك
نظر لها الدكتور وجدى قليلا قبل أن يقوم من مقعده ليجلس قبالتها قائلا
- لقد أخبرنى نبيل أنه قابلك بالأمس فى النادى
ابتسمت سلمى فى خجل قائلة
- نعم يا دكتور أرجو ألا ....
قاطعها قائلا
- كلا يا ابنتى .. أنا سعيد جدا بأنكما تعارفتما .. فإن نبيل لا أصدقاء له .. كما أنه خجول للغاية .. إنها المرة الأولى التى أراه فيها سعيدا هكذا
نظرت سلمى لصورة نبيل على المكتب قائلة بشرود
- حقا
ثم انتبهت قائلة
- إن الاستاذ نبيل إنسان طيب فعلا .. كما أنه ذو ثقافة عالية لقد كشف لى قصور معلوماتى فى عدة مجالات
ضحك الدكتور وجدى قائلا
- إنه يعشق القراءة فى مجالات عديدة وهو واسع الإطلاع .. كان يمكن أن يكون له مستقبل باهر لولا ...
صمت متألما .. أسرعت سلمى لتقول
- إن نبيل لا ينقصه شىء ربما يحتاج إلى بعض الاهتمام والرعاية والحب
نظر لها الدكتور وجدى بينما خفضت عينيها فى حياء قبل أن يقول لها
- اليوم عيد ميلاد حازم ابنى .. ما رأيكِ لو أتيتِ .. إن نبيل فى هذا اليوم يشعر بوحدة كبيرة لعدم إختلاطه بأصدقاء حازم الكثيرون
صمتت سلمى قليلا ثم قالت
- بالطبع يسعدنى ذلك
ثم قامت مستأذنة لتنصرف لعملها .. بينما شرد عقل الدكتور وجدى مفكرا إن الأمر يبدو كما ظن تماما ولكن ما الذى يدفع حازم أن يطلب منه دعوة سلمى لحضور عيد ميلاده؟.. أغمض عينيه فى حزن مفكرا لو أن ما يدور بخلده صحيح .. مسكين يا نبيل لا حظ لك فى هذه الحياة القاسية
فى المساء ازدانت فيلا الدكتور وجدى بالأنوار وأوراق الزينة وإمتلأ المكان بالموسيقى والصخب فقد كان حازم يحرص على أن يكون عيد ميلاده حديث الجميع كل عام وإمتلأ البيت بأصدقاء حازم الكثيرون ورقص الجميع على أنغام الأغانى الصاخبة .. واندمج معهم حازم فى الرقص قبل أن يتوقف فجأة عندما وقعت عيناه على سلمى التى وقفت عند الباب ..
اقترب منها حازم قائلا
- مرحبا يا سلمى
ابتسمت له سلمى بدبلوماسية وهى تقدم له باقة من الزهور قائلة
- كل عام وانت بخير
احتضن باقة الزهور بيديه قائلا بلهجة مصطنعة
- هذه أجمل هدية حصلت عليها فى حياتى نظرت سلمى حولها وهى تسأل
- أين نبيل ؟
نظر لها قائلا
- لماذا تسألين ؟
أجابته
- أليس أخيك ويجب أن يشاركك هذا الحفل نظر لها بضيق قائلا
- ربما تجدينه فى المكتبة أو يشاهد أفلام الكارتون كالعادة
ابتسمت سلمى بشرود قائلة
- إنه يحمل قلب طفل صغير
أجابها بلهجة مستفزة
- بل يحمل عقل طفل صغير
نظرت له غاضبة وهى تقول
- كيف تتحدث هكذا عن أخيك ؟
-ولماذا تولينه أنتِ كل هذا الإهتمام؟
- لأنه إنسان مهذب ومحترم ويحمل قلبا طيبا نقيا وهو نبيــل مثل اسمه وليس مغرور متعالى مثل آخرين
إحمر وجه حازم غضبا وفتح فمه ليقول شيئا ما قبل أن يقاطعه صوت أبيه قائلا
- مرحبا يا سلمى .. شكرا لقدومكِ
ابتسمت له سلمى قائلة
-مرحبا دكتور وجدى
-تفضلى يا ابنتى
ومن ثم توجها نحو مكتبه.. وتركا حازم يغلى من الغيظ
انزوى نبيل فى ركن المكتبة يطالع أحد الكتب .. فلم يكن يندمج كثيرا فى مثل هذا الجو الصاخب .. إنه يميل كثيرا للهدوء .. وانتبه على صوت ابيه وهو يقول
- تعال يا نبيل
توجه نبيل نحو والده قبل أن تتسمر قدماه أرضا عندما طالعه وجه سلمى وهى تبتسم له قائلة
- مرحبا يا نبيل .. كيف حالك ؟
نظر لها نبيل ثم قال
- ا الحمد لله .. بــ بخير
ابتسمت له قائلة
- لقد أحضرت لك هدية
ثم فتحت حقيبة يدها وأخرجت منها كتابا جديدا
تناوله نبيل من يدها قائلا
- شـ شكرا لك .. لم يـ يحضر لى أ أحد هدية مـ من قبل
ثم نظر لوالده وأضاف
- بـ بخلاف أأبى
ابتسم والده وربت على كتفه .. بينما فتح باب المكتب فجأة وظهر أمامه حازم الذى رمقهم بنظره عدائية وتقدم نحو نبيل ممسكا بيده قائلا
- تعال معى
جذب حازم نبيل نحو منتصف القاعة الصاخبة قبل أن يسكت الجميع وهو يهتف
- يا شباب .. أعرفكم بأخى نبيل
تعالت صيحاتهم بينما نظر لهم نبيل بإندهاش قبل أن يقول حازم
- إن أخى نبيل أعد لى أغنية ليغنيها فى عيد ميلادى
ثم أمسك بأحد الميكروفونات وألقاه بين يدى نبيل
ألجمت المفاجأة لسان نبيل وخفق قلبه بشدة وعيون الجميع متعلقه به .. بينما اعتلت الشماته وجه حازم الذى نظر إليه مستلذا بعذابه
شهقت سلمى فى حين توجه الدكتور وجدى نحو حازم قائلا بغضب
- ماهذا الذى تفعله ؟
سقط الميكروفون من يد نبيل المرتعشة .. قال حازم ساخرا
- ماذا حدث ؟ .. هل عجز لسانك عن الغناء؟
إزداد إضطراب نبيل بينما تفجر والده غضبا وهوت كفه بصفعة قوية على وجه حازم وسرى التوتر فى المكان كله
اندفع نحوه نبيل وحال بينه وبين حازم قائلا
- لـ لا يا أ أبى .. لـ لا تفعل ذلك بحا حازم أ أرجوك
نظر حازم لنبيل بغضب قائلا
- لست بحاجة إلى شفقتك أيها المعتوه
وجرى خارج المنزل .. تبعه نبيل فى سرعة محاولا إيقافه ولكنه اندفع إلى سيارته دافعا نبيل بعيدا وهو يقول
- إبتعد عنى وإلا دهستك بسيارتى وتخلصت منك للأبد
ومن ثم ركب سيارته منطلقا بها بسرعة كبيرة .. وقف نبيل حائرا لم يعرف كيف يلحق بأخيه .. حتى وقع بصره على سيارة أبيه .. دون تفكير قفز نبيل فى السيارة وأدار محركها ليلحق بحازم كان قلبه ينبض خوفا عليه
ظهرت سيارة حازم من بعيد تنطلق بسرعة كبيرة .. حاول نبيل الإقتراب أكثر منه قبل أن ينتبه للسيارة القادمة من الإتجاه المقابل والمتجهه مباشرة إلى سيارة حازم
وبدون ذرة تردد ... ضغط نبيل البنزين وانطلق بأقصى سرعة متعديا سيارة حازم قبل أن يلف بسيارته ليجعلها حائلا بين السيارتين
وبلتقائية أدار حازم سيارته بقوة إلى الجانب الآخر من الطريق ..وبالفعل تلقت سيارة نبيل الصدمة .. وتدحرجت سيارته عدة مرات على الطريق قبل أن تتوقف تماما ... ولم يشعر بعدها بشىء
شعر نبيل بآلام مبرحة فى كل جسده قبل أن يفتح عينيه وهو يقول
- أ أخى .. حا حازم
فوجىء بالجميع حوله بينما اندفع نحوه حازم قائلا
- أخى نبيل .. سامحنى يا أخى .. أرجوك سامحنى
ثم دفن رأسه فى صدر أخيه وهو يبكى بشدة .. ربت نبيل على رأسه قائلا
- هـ هل أ أنت بخير ؟
أجابه والده
- نعم يا بنى وأنت أيضا بخير
نظر له حازم قائلا من بين دموعه
- أتضحى بنفسك من أجلى يا نبيل !! إننى لا أستحق أخ مثلك
نظر له نبيل بابتسامة واهنة على وجهه قائلا
- لا تـ تقل هذا يـ يا أأخى إننى أ أحبك كـ كثيرا يا حا حازم
زاد بكاء حازم وهو يقول
-إنك نبيل فعلا .. كيف لم ألحظ ذلك كل هذه السنوات؟.. سامحنى يا أخى
ربت نبيل على رأسه وهو يقول
- أأنا أأحبكم كـ كثيرا
مسح حازم دموعه قائلا
- لم تخبرنى من قبل أنك تجيد القيادة هكذا
ابتسم نبيل قائلا
- كـ كنت أشاهدك ووأنت تقود سـ سيارتك
ثم نظر لأبيه وهو يقول
- آسف يا أبى لأن سـ سيارتك تـ تحطمت
قبله والده قائلا
- المهم سلامتكما يا ولدى
بينما أغروقت عينا والدته بالدموع وهى تقبله قائلة
- حمد لله على سلامتك يا نبيل .. لم أكن لأتخيل الحياة من دونك يا ولدى
بينما ابتسمت له سلمى قائلة
- الحمد لله أنك بخير يا نبيل
نظر لهم نبيل مبتسما إنها المرة الأولى التى يشعر فيها أن هناك من يحبه ويهتم لأمره .. كان شعورا رائعا حقا حتى وإن كان ممزوجا بكل هذه الآلام ...
مضت عدة سنوات على حياة نبيل الجديدة .. حب جميع من حوله أعاد له الثقة من جديد .. أصبح يتحدث الآن بشكل طبيعى للغاية .. كما أنه قد درس الحاسب الآلى وحصل على عدة دورات فى مجال البرمجة ومن ثم افتتح شركة للكمبيوتر والبرمجة
وقد أصبح نبيل مبرمج ممتاز وخاصة لبرامج ألعاب الأطفال .. وأصبح أخيه حازم يلجأ إليه فيما يستعصى عليه فى الكمبيوتر ... وإن كان هناك عادة لم يستطع الخلاص منها وهى عشقه لمتابعة أفلام الكارتون مع ولديه الصغيرين وزوجته ســــلمـــــى
- ألم أقل لك ألا تلمس الهاتف أبدا
انتفض نبيل فزعا على صوت أخيه الغاضب وعاد للوراء قبل أن يختطف أخيه السماعة من يده ويتحدث مبتعدا عنه .. عاد نبيل لمتابعة الفيلم ولكنه كان متوترا يرمق أخيه بين لحظة وأخرى حتى أنهى المكالمة وصعد لحجرته بالدور العلوى
أقفل نبيل جهاز التلفاز بيد مرتعشة ثم صعد درجات السلم للدور العلوى ووقف أمام حجرة أخيه مترددا قبل أن يطرق بابها ببطء ويدخل إلى الحجرة .. وجد أخاه جالسا أمام شاشة الكمبيوتر وأصابعه تضغط على مفاتيح لوحته فى سرعة .. تابع نبيل بعينيه هذا الجهاز العجيب .. إنه مسل أكثر من التلفاز .. كم يتمنى لو استطاع ان يلعب عليه مثلما يفعل أخيه .. ولكن أخيه يرفض تماما أن يقترب منه أو يلمسه .. إنه ملكية محظورة .. أفاق نبيل من أفكاره على صوت أخيه وهو يقول
- ماذا تريد ؟
أجابه نبيل بصوت متقطع
- حا .. حازم .. أ .. أرجو أ ألا تغضب منى .. لـ لم يكن أ أحد مــــ موجود غـــ غيرى وا الهاتف يرن و ..
قاطعه أخيه بضيق
- كفى كفى .. انتهينا
ثم أغلق جهاز الكمبيوتر وهو يقول
- ولكن لا ترد على الهاتف أبدا بعد ذلك هل تفهم ؟
ثم نظر له بسخرية قائلا
- آسف .. نسيت أنك لا تفهم شيئا
نظر له نبيل محاولا أن يقول شيئا قبل أن يجمع حازم أغراضه ويخرج من الحجرة .. دمعت عينا نبيل واقترب من شاشة الكمبيوتر ولمسها بأصابعه وهو يقول
- أ أنا أ أفهم يا حا حازم .. أ أنا .. أ أفهم
ثم تهاوى على المقعد وأنخرط فى بكاء طويل ...
طرق نبيل باب حجرة والدته ودخل .. كانت تتحدث فى الهاتف كعادتها كل صباح .. وقف نبيل ينتظرها حتى أنهت مكالمتها .. وما ان إلتفتت حتى وجدته .. تجمدت لحظات قبل أن تشيح بوجهها عنه وهى تقول
- أتريد شىء ؟
ابتسم نبيل لها قائلا
- لــ لقد ا افتقدك يا أ أمى كثيرا .. لــ لم أ أرك منذ أ أمس
أغمضت أمه عينيها فى ألم وهى تقول
- كنت عند بعض الأصدقاء كما اننى مشغولة دائما
نظر لها نبيل وتوجه ناحيتها وهو يقول
- كــ كم أ أتمنى أن تــ تجدى ل لى وقتا يــ يا أ أمى .. إ إنك د دائما مـ مشغولة
نظرت له لحظات قبل أن تتحرك بعيدا عنه قائلة
- أنت تعرف أن لا وقت لدى .. ثم أنت لا ينقصك شىء .. لقد كبرت ولا تحتاج لى
اقترب منها نبيل وهو يقول برجاء
- ل لا لا يا أ أمى أأنا أحتاج إإليك كــ كثيرا و ...
قاطعته قائلة وهى تتحرك نحو هاتفها النقال
- لقد نسيت .. يجب أن أجرى مكالمة هامة
وإنشغلت بالضرب على أزرار الهاتف .. نظر لها نبيل بعينين دامعتين قبل أن يغادر الحجرة فى صمت .. أختلست والدته نظرة إلى باب حجرتها فى توتر ثم ألقت بهاتفها النقال بعيدا قبل أن تهوى على مقعدها وتغطى وجهها بكفيها وتجهش بالبكاء
نزل نبيل درجات السلم وهو يمسح دموعه قبل أن يتناهى إلى سمعه صوت أبيه
- نبيل
مسح نبيل دموعه بسرعة ورسم على وجهه ابتسامة وهو يقول
-أ أهلا يــ يا أأبى
ابتسم له والده وهو يقول
-كيف حالك اليوم يا نبيل ؟
أجابه
- بــ بخير و والحمد لله يا أأبى
نظر له والده للحظات قبل أن يقول وهو يرفع وجه نبيل بيده
- هل كنت تبكى يا نبيل ؟
أجابه نبيل فى سرعة
- لا ل لا يا أأبى لــ لم أ أكن أبكى
نظر له والده قبل أن يقول
- هل هو حازم مرة أخرى ؟ .. أما زال يضايقك ؟
أجابه نبيل
-لـ لا يا أأبى أأبدا أن حا حازم ..لــ لطيف معى جـ جدا .. وأأنا أأحبه كثيرا
ربت والده على كتفه قائلا
- ليته يحمل مثل قلبك الرقيق هذا ولكنى أعرفه جيدا
ثم شرد ببصره قليلا قبل أن يقول
- يجب أن أذهب إلى المستشفى الآن .. هل تريد شيئا يا نبيل؟
أجابه نبيل مبتسما
- شـ شكرا ل لك يا أأبى .. لا يــ ينقصنى شىء
ثم انصرف والده لعمله وتوجه نبيل نحو جهاز التلفاز وقام بتشغيله وجلس لمتابعة فيلم الكارتون مرة أخرى
عند تناول الغذاء كان الوالد يحرص دائما على جمع أسرته.. فقد كان الوقت الوحيد الذى يجمعهم على مدار اليوم .. والذى كان يسعد نبيل لكونه وسط أسرته كلها مالم يتعلل حازم أو أمه بانشغالهما ليتغيبا عن موعد اللقاء الأسرى
كان نبيل يعرف جيدا انهم يتجنبون الإجتماع به .. كان يعرف وإن كان لا يدرى السبب فى ذلك الوحيد الذى يجلس معه رغم انشغاله الكبير هو والده .. لا أحد يجد له وقتا .. الجميع مشغولون .. وهو لا أصدقاء له
فقد شبع فى صغره من سخرية أقرانه لطريقة حديثه .. الكل يسخر منه ويهينه ويعامله على أنه بلا عقل ..رغم أنه يفهم جيدا كل شىء وكان متفوق فى المدرسة وكل مراحل التعليم .. كان يهرب من ملاحقة الجميع له وسخريتهم منه .. ولكن لا ذنب له فى ذلك .. لقد كان يجلس الساعات الطوال فى حجرته محاولا أن ينطق جملة واحدة بطريقة صحيحة دون أن تتقطع أحرفها بين شفتيه .. ولكن لم يعرف .. لم يقدر
أغلق عالمه على نفسه .. صادق جهاز التلفاز ومكتبة أبيه .. إنهما عالمه .. يعرف منهما كل ما يحدث حوله .. يعرف أخبار العالم .. السياسة .. الإقتصاد .. يتابع البرامج العلمية .. يقرأ عن الفضاء .. أخذ عقله يستوعب بسلاسة كل الأمور المعقدة .. بإختصار كان يحمل عقلا عبقريا .. ولسانا عاجزا عن التعبير .. وان كان جل عشقه لعالم الأطفال الذى لم يعشه قط .. يتابع أفلام الكارتون بشغف .. يجذبه كل ما يجذب طفلا صغير .. ربما كان هذا ما صور للجميع أنه بلا عقل .. أوانه يحمل عقل طفل صغير
-أبى .. سوف أذهب إلى النادى
قالها حازم بصوت عال وهو يحمل حقيبته الرياضية ويهم بمغادرة المنزل ألقى والده نظره على نبيل الذى تكوم على الأرض فى ركنه المفضل أمام التلفاز .. ثم استوقف حازم وهو يهتف
-انتظر يا حازم
التفت له حازم قائلا
- نعم يا أبى
صمت أبيه لحظة قبل أن يقول
- اصطحب أخيك معك إلى النادى
نظر له حازم مندهشا وهو يقول
- ماذا ؟؟؟
أجابه والده بحزم
-أعتقد أنك سمعتنى جيدا
ألقى حازم نظرة غاضبة على نبيل الذى لم ينتبه لحديثهما ثم التفت لوالده قائلا
- ولكن يا أبى .. أنا لدى مباراة فى التنس اليوم ولن أكون متفرغا له
أجابه والده بحدة
-إنه ليس طفلا لتتفرغ له .. فقط اصطحبه إلى هناك
نظر له حازم قبل أن يقول بسخرية
- ليس طفلا !!! ما هو إذن ؟؟
نظر له والده بغضب قائلا
-أقسم يا حازم أننى لو سمعت منك مثل هذه التعليقات على أخيك الكبير .. فلسوف ترى منى ما لن تتخيله قط .. هل تفهم ؟
خفض حازم رأسه وهو يقول
- أنا آسف يا والدى
ثم توجه نحو نبيل قائلا
- نبيل .. هيا ستذهب معى إلى النادى
نظر له نبيل مندهشا بينما رفع والده صوته قائلا
- هيا يا نبيل .. اذهب مع أخيك
تهللت أسارير نبيل وهو يعتدل واقفا وربت على كتف حازم وهو يقول
- شـ شكرا يـ يا أ أخى .. شـ شكرا ك كثيرا ..
أبعد حازم يد نبيل عن كتفه فى ضيق .. ثم سبقه إلى الخارج وتبعه نبيل ..
تابعهما والدهما بعينيه قبل أن يصعد إلى الدور العلوى ويطرق باب إحدى الحجرات ويدخلها .. ثم ألقى نظرة على من فيها قبل أن يقول
- لماذا لم تشاركينا الغذاء اليوم ؟
نظرت له الأم قائلة
- لا شهية لى
أجابها
-لا شهية لكِ أم لا تريدين رؤية ولدكِ ؟
أجابته
- لقد جائنى هذا الصباح وتحدثت معه
أجابها ساخرا
- ياله من تنازل .. ما كل هذا الحنان الذى تغدقينه عليه
أجابته بعصبية
- أرجوك لا تسخر منى .. لا يسعنى عمل شىء لمساعدته
نظر لها قائلا
- هو لا يريد مساعدتكِ ولا يحتاج لها .. إنه يريد حنانكِ فقط .. لا أدرى كيف يسمح لكِ قلبكِ بالقسوة عليه هكذا .. بالله عليكِ إنه ابنكِ
قاطعته قائلة بصوت باكى
-كفى أرجوك
ثم إنخرطت فى البكاء .. تنهد قبل أن يربت على كتفها قائلا
- أنا لم أقصد أن أضايقكِ .. ولكنى لا أفهم سر معاملتكِ الجافة له .. إنه لا يستحق ذلك أبدا
بدأت تسترد انتظام أنفاسها من جديد قبل أن تقول
- أنا السبب .. إنه ذنبى أنا .. إن الأدوية التى تناولتها قبل معرفتى بحملى به قد تسببت فيما هو فيه الآن .. أنا لا أسامح نفسى قط .. كلما رأيته ينتابنى شعور مرعب وكأننى مجرمة وتلاحقها ضحيتها .. لا أستطيع رؤية وجهه الجميل ورجولته الواضحة وهو يتحدث بطريقة طفولية وتتهدج كلماته .. أشعر أننى أعتصر ألما من أجل ذلك .. لا يمكننى احتمال هذا أبدا إنه فى السابعة والعشرون من عمره ويحمل عقل طفل صغير .. أى أم تحتمل هذا
قاطعها منفعلا
- قلت لك من قبل أن لا شىء يعيب عقل نبيل .. إنه ليس معاقا ذهنيا صدقينى .. إنكِ لم تتحدثى معه من قبل لتعرفى ذلك .. إنه يعانى من بعض العيوب فى جهاز النطق .. وربما يرجع ذلك لسبب نفسى أو أى شىء آخر ولكن عقله سليم تماما .. أنا متأكد من ذلك
بدأت فى البكاء مجددا .. ربت على كتفها قائلا
- رغم كل هذا هو لا ذنب له وإن كنتِ أخطأتى بحقه دون قصد كما تظنين فأنتِ الآن تقتليه بتجاهلكِ له عن عمد.. أرجوك كونى له أما .. أشعريه بحنانكِ .. ترفقى به
نظرت له بعينين دامعتين ومسح هو بيديه دموعها .. ثم التفتت إلى الصورة الوحيدة الموضوعة على دولابها الصغير .. صورة نبيل
وصل نبيل مع حازم إلى النادى .. وبدا نبيل منبهرا بما يراه للمرة الأولى .. بينما كان حازم متبرما لوجود أخيه الذى يعوق حركته .. توقف حازم فجأة قائلا لنبيل وهو يشير لأحد المقاعد
- انتظرنى هنا حتى انتهى من المباراة وأعود إليك
نظر له نبيل قائلا
- أ ألن آ تى مـ معك
نظر له حازم فى ضيق وأجلسه على المقعد قائلا
-لا لن تأتى معى .. ستنتظر هنا .. اطلب لنفسك شيئا لتشربه
ثم صمت قليلا قبل أن يقول
- لا بل سأطلب لك أنا .. ثم قرب وجهه منه قائلا
- من الأفضل ألا تتحدث إلى أحد هنا .. هل تفهم ؟
ثم تركه حازم وابتعد بخطوات سريعة وهو يشير إلى مجموعة من أصدقائة بيده فى مرح .. تابعه نبيل بعينيه .. كان يعلم أنه متضايق من وجوده معه .. ربما أيضا لا يرغب فى أن يعلم أحد بأنه شقيقه
كان نبيل غارقا فى أفكاره ولم يلحظ نظرات بعض الفتيات له والجالسات على الطاولة المجاورة .. إنبرت احداهن تسأل الأخرى
- هل رأيتى هذا الشاب هنا من قبل ؟
أجابتها
- لا .. إنها المرة الأولى التى أراه فيها
بينما قالت ثالثة وهى ترمقه بإعجاب
-إنه وسيم للغاية
وعلقت احداهن
- لقد رأيته بصحبة حازم منذ قليل .. ربما هو صديقه
قالت الأخرى
-لماذا لا نسأله ؟ .. هيا بنا يا فتيات
انتبه نبيل من شروده على ضحكات الفتيات وهن يجلسن على طاولته .. نظر لهن بدهشة .. بينما بادرته إحداهن
- مرحبا .. هذه أول مرة نراك فى النادى وقالت أخرى
- نود التعرف عليك .. ما اسمك ؟
وانبرت الثالثة
- هل أنت صديق حازم ؟
أمطرنه بسيل من الأسئلة .. بينما نظر لهن نبيل فى صمت متوتر فلم يشأ أن يفتح فمه بكلمة واحدة
سألته احداهن
- لماذا لا تتكلم ؟
وقالت أخرى
-هل انت خجول ؟
وتعالت ضحكاتهن التى تسببت فى إزدياد توتره أكثر .. فلم يكن معتاد على الحديث مع أحد ولاسيما الفتيات .. نظر نبيل حوله باحثا عن أخيه بينما بادرته إحداهن
- مابك ؟ لماذا لا تتحدث ؟ هل تبحث عن أحد ؟
ضحكت إحداهن وهى تقول
- ربما يبحث عن صديقته .. ويخشى ان تراه معنا
سألته الثالثة
ترى من هى سعيدة الحظ ؟
قاطعهن صوتا هادئا يقول
- أنا
التفت الثلاثة خلفهم بينما نظر نبيل بدهشة لتلك الفتاة الجميلة الماثلة أمامه وقد عقدت ساعديها أمام صدرها ناظرة للفتيات الثلاث واللاتى قمن بحرج وابتعدن عنها قبل أن تلتفت هى لنبيل وتبتسم له قائلة
- مرحبا يا نبيل
نظر لها نبيل مندهشا بينما جلست بجواره قائلة
- اسمى سلمى
نظر له نبيل صامتا
قالت
- أنا أعرفك جيدا أنت نبيل وجدى ابن الدكتور وجدى عاصم .. أليس كذلك ؟
هز نبيل رأسه إيجابا .. ابتسمت له سلمى قائلة
- أنا أعمل مع والدك فى المستشفى وقد عرفتك من الصورة التى يضعها الدكتور وجدى على مكتبه .. كما أنه حدثنى عنك كثيرا
ابتسم لها نبيل فى صمت بينما قالت سلمى
- أنا طبيبة أطفال .. وقد اخترت هذا التخصص لعشقى للأطفال .. أنهم زهرات هذا الكون أليس كذلك يا نبيل ؟
هز نبيل رأسه مجددا .. نظرت له سلمى قائلة
-بإمكانك التحدث معى يا نبيل
نظر لها متسائلا .. هزت رأسها فى إشارة ذكية فهمها نبيل على الفور وابتسم قائلا
- شـ شكرا لك
ابتسمت له سلمى قائلة
- لماذا لا تأت إلى النادى كثيرا .. إنها المرة الأولى التى أراك فيها هنا
هز نبيل كتفيه قائلا
- أنا أ أقضى معظم ا الوقت فـ فى البـ بيت .. أأنا احب االقراءة و و ا التلفاز
ضحكت سلمى وهى تقول
- ولكن هناك أشياء أكثر فى الحياة لتفعلها ..
نظر لها مجددا قبل أن يقول
- أ أنا لـ ليس لدى أأصدقاء مـ مثل حا حازم ابتسمت له سلمى وهى تمد له يدها قائلة
- حسنا .. هل تقبل أن نكون أصدقاء
نظر لها نبيل قليلا قبل أن يمد يده لها قائلا
- نـ نعم .. أ أقبل
وعلت وجهه ابتسامة صافية ومضا يتحدثان معا فى كل شىء مما أثار دهشة نبيل من نفسه .. كيف أفلت لسانه من عقاله ومضى يتحدث هكذا
مضت نحو الساعتين قبل أن يظهر حازم من بعيد .. واقترب من الطاولة الجالس عليها نبيل وسلمى وهو ينظر للأخيرة بدهشة .. نظر له نبيل قائلا
- حا حازم .. هذه ا الدكتورة سـ سلمى وهى تـ تعمل مع أأبينا فى ا المستشفى
نظر لها حازم وعلى وجهه ابتسامة مدروسة وهو يمد يده نحوها قائلا
- تشرفت بمعرفتك يا سلمى .. ثم ألقى نظرة نحو نبيل وهو يقول
-أرجو ألا يكون قد أضجرك بحديثه
نظرت له سلمى قائلة
- بالعكس ان ثقافة وإطلاع نبيل مادة رائعة للحديث حتى أننى لم أشعر بالوقت
رفع حازم حاجبيه مندهشا وهو يقول بسخرية
- ثقافة وإطلاع نبيل !!!
خفض نبيل رأسه خجلا بينما حدجته سلمى بنظرة غاضبة قبل أن تقوم وهى تمد يدها لنبيل قائلة
- تشرفت بمعرفتك يا نبيل .. أرجو أن أراك قريبا
وقف نبيل مسلما عليها قائلا
- إ إن شـ شاء الله
ابتسمت له سلمى وانصرفت غير مبالية لوجود حازم الذى صب جام غيظه على نبيل قائلا بعصبية
- ثقافتك أنت !! .. كيف؟؟
نظر له نبيل قائلا
- مــ ماذا فعلت فى ا المباراة ؟
نظر له حازم فى غيظ وهو يقول
- لا شأن لك .. هيا لأعيدك إلى البيت
ثم تحرك مبتعدا عنه وتبعه نبيل فى صمت
فى البيت .. صعد حازم إلى حجرته .. بينما جلس نبيل على أحد المقاعد شاردا .. ثم انتبه على صوت والده يقول
- نبيل .. هل استمتعت بوقتك فى النادى ؟ .. ابتسم له نبيل
- نعم يا أأبى كـ كثيرا
ثم اعتدل قائلا
- تـ تعرف يا أأبى ل لقد قابلت ســ سلمى .. ا الدكتورة سلمى
ابتسم له والده قائلا
- حقا ... إنها طبيبة الأطفال فى المستشفى كما أنها فتاة رائعة
ابتسم نبيل بشرود وهو يقول
- نــ نعم يا أ أبى هى ر رائعة
ثم انتبه لكلمته فإستدرج قائلا
- كـ كما أنها تـ تحب الأطفال كــ كثيرا
ابتسم والده وهو يربت على كتفه وعقله يفكر فيما لم يخطر بباله من قبل .. ثم قال
- لقد كبرت يا نبيل .. فعلا
طرقت الدكتورة سلمى باب حجرة الدكتور وجدى فى هدوء قبل أن تدخل وعلى وجهها ابتسامة قائلة
- صباح الخير يا دكتور
ابتسم لها الدكتور وجدى قائلا وهو يشير للمقعد المقابل له
- صباح الخير يا سلمى .. تفضلى
جلست سلمى قائلة
- شكرا لك
نظر لها الدكتور وجدى قليلا قبل أن يقوم من مقعده ليجلس قبالتها قائلا
- لقد أخبرنى نبيل أنه قابلك بالأمس فى النادى
ابتسمت سلمى فى خجل قائلة
- نعم يا دكتور أرجو ألا ....
قاطعها قائلا
- كلا يا ابنتى .. أنا سعيد جدا بأنكما تعارفتما .. فإن نبيل لا أصدقاء له .. كما أنه خجول للغاية .. إنها المرة الأولى التى أراه فيها سعيدا هكذا
نظرت سلمى لصورة نبيل على المكتب قائلة بشرود
- حقا
ثم انتبهت قائلة
- إن الاستاذ نبيل إنسان طيب فعلا .. كما أنه ذو ثقافة عالية لقد كشف لى قصور معلوماتى فى عدة مجالات
ضحك الدكتور وجدى قائلا
- إنه يعشق القراءة فى مجالات عديدة وهو واسع الإطلاع .. كان يمكن أن يكون له مستقبل باهر لولا ...
صمت متألما .. أسرعت سلمى لتقول
- إن نبيل لا ينقصه شىء ربما يحتاج إلى بعض الاهتمام والرعاية والحب
نظر لها الدكتور وجدى بينما خفضت عينيها فى حياء قبل أن يقول لها
- اليوم عيد ميلاد حازم ابنى .. ما رأيكِ لو أتيتِ .. إن نبيل فى هذا اليوم يشعر بوحدة كبيرة لعدم إختلاطه بأصدقاء حازم الكثيرون
صمتت سلمى قليلا ثم قالت
- بالطبع يسعدنى ذلك
ثم قامت مستأذنة لتنصرف لعملها .. بينما شرد عقل الدكتور وجدى مفكرا إن الأمر يبدو كما ظن تماما ولكن ما الذى يدفع حازم أن يطلب منه دعوة سلمى لحضور عيد ميلاده؟.. أغمض عينيه فى حزن مفكرا لو أن ما يدور بخلده صحيح .. مسكين يا نبيل لا حظ لك فى هذه الحياة القاسية
فى المساء ازدانت فيلا الدكتور وجدى بالأنوار وأوراق الزينة وإمتلأ المكان بالموسيقى والصخب فقد كان حازم يحرص على أن يكون عيد ميلاده حديث الجميع كل عام وإمتلأ البيت بأصدقاء حازم الكثيرون ورقص الجميع على أنغام الأغانى الصاخبة .. واندمج معهم حازم فى الرقص قبل أن يتوقف فجأة عندما وقعت عيناه على سلمى التى وقفت عند الباب ..
اقترب منها حازم قائلا
- مرحبا يا سلمى
ابتسمت له سلمى بدبلوماسية وهى تقدم له باقة من الزهور قائلة
- كل عام وانت بخير
احتضن باقة الزهور بيديه قائلا بلهجة مصطنعة
- هذه أجمل هدية حصلت عليها فى حياتى نظرت سلمى حولها وهى تسأل
- أين نبيل ؟
نظر لها قائلا
- لماذا تسألين ؟
أجابته
- أليس أخيك ويجب أن يشاركك هذا الحفل نظر لها بضيق قائلا
- ربما تجدينه فى المكتبة أو يشاهد أفلام الكارتون كالعادة
ابتسمت سلمى بشرود قائلة
- إنه يحمل قلب طفل صغير
أجابها بلهجة مستفزة
- بل يحمل عقل طفل صغير
نظرت له غاضبة وهى تقول
- كيف تتحدث هكذا عن أخيك ؟
-ولماذا تولينه أنتِ كل هذا الإهتمام؟
- لأنه إنسان مهذب ومحترم ويحمل قلبا طيبا نقيا وهو نبيــل مثل اسمه وليس مغرور متعالى مثل آخرين
إحمر وجه حازم غضبا وفتح فمه ليقول شيئا ما قبل أن يقاطعه صوت أبيه قائلا
- مرحبا يا سلمى .. شكرا لقدومكِ
ابتسمت له سلمى قائلة
-مرحبا دكتور وجدى
-تفضلى يا ابنتى
ومن ثم توجها نحو مكتبه.. وتركا حازم يغلى من الغيظ
انزوى نبيل فى ركن المكتبة يطالع أحد الكتب .. فلم يكن يندمج كثيرا فى مثل هذا الجو الصاخب .. إنه يميل كثيرا للهدوء .. وانتبه على صوت ابيه وهو يقول
- تعال يا نبيل
توجه نبيل نحو والده قبل أن تتسمر قدماه أرضا عندما طالعه وجه سلمى وهى تبتسم له قائلة
- مرحبا يا نبيل .. كيف حالك ؟
نظر لها نبيل ثم قال
- ا الحمد لله .. بــ بخير
ابتسمت له قائلة
- لقد أحضرت لك هدية
ثم فتحت حقيبة يدها وأخرجت منها كتابا جديدا
تناوله نبيل من يدها قائلا
- شـ شكرا لك .. لم يـ يحضر لى أ أحد هدية مـ من قبل
ثم نظر لوالده وأضاف
- بـ بخلاف أأبى
ابتسم والده وربت على كتفه .. بينما فتح باب المكتب فجأة وظهر أمامه حازم الذى رمقهم بنظره عدائية وتقدم نحو نبيل ممسكا بيده قائلا
- تعال معى
جذب حازم نبيل نحو منتصف القاعة الصاخبة قبل أن يسكت الجميع وهو يهتف
- يا شباب .. أعرفكم بأخى نبيل
تعالت صيحاتهم بينما نظر لهم نبيل بإندهاش قبل أن يقول حازم
- إن أخى نبيل أعد لى أغنية ليغنيها فى عيد ميلادى
ثم أمسك بأحد الميكروفونات وألقاه بين يدى نبيل
ألجمت المفاجأة لسان نبيل وخفق قلبه بشدة وعيون الجميع متعلقه به .. بينما اعتلت الشماته وجه حازم الذى نظر إليه مستلذا بعذابه
شهقت سلمى فى حين توجه الدكتور وجدى نحو حازم قائلا بغضب
- ماهذا الذى تفعله ؟
سقط الميكروفون من يد نبيل المرتعشة .. قال حازم ساخرا
- ماذا حدث ؟ .. هل عجز لسانك عن الغناء؟
إزداد إضطراب نبيل بينما تفجر والده غضبا وهوت كفه بصفعة قوية على وجه حازم وسرى التوتر فى المكان كله
اندفع نحوه نبيل وحال بينه وبين حازم قائلا
- لـ لا يا أ أبى .. لـ لا تفعل ذلك بحا حازم أ أرجوك
نظر حازم لنبيل بغضب قائلا
- لست بحاجة إلى شفقتك أيها المعتوه
وجرى خارج المنزل .. تبعه نبيل فى سرعة محاولا إيقافه ولكنه اندفع إلى سيارته دافعا نبيل بعيدا وهو يقول
- إبتعد عنى وإلا دهستك بسيارتى وتخلصت منك للأبد
ومن ثم ركب سيارته منطلقا بها بسرعة كبيرة .. وقف نبيل حائرا لم يعرف كيف يلحق بأخيه .. حتى وقع بصره على سيارة أبيه .. دون تفكير قفز نبيل فى السيارة وأدار محركها ليلحق بحازم كان قلبه ينبض خوفا عليه
ظهرت سيارة حازم من بعيد تنطلق بسرعة كبيرة .. حاول نبيل الإقتراب أكثر منه قبل أن ينتبه للسيارة القادمة من الإتجاه المقابل والمتجهه مباشرة إلى سيارة حازم
وبدون ذرة تردد ... ضغط نبيل البنزين وانطلق بأقصى سرعة متعديا سيارة حازم قبل أن يلف بسيارته ليجعلها حائلا بين السيارتين
وبلتقائية أدار حازم سيارته بقوة إلى الجانب الآخر من الطريق ..وبالفعل تلقت سيارة نبيل الصدمة .. وتدحرجت سيارته عدة مرات على الطريق قبل أن تتوقف تماما ... ولم يشعر بعدها بشىء
شعر نبيل بآلام مبرحة فى كل جسده قبل أن يفتح عينيه وهو يقول
- أ أخى .. حا حازم
فوجىء بالجميع حوله بينما اندفع نحوه حازم قائلا
- أخى نبيل .. سامحنى يا أخى .. أرجوك سامحنى
ثم دفن رأسه فى صدر أخيه وهو يبكى بشدة .. ربت نبيل على رأسه قائلا
- هـ هل أ أنت بخير ؟
أجابه والده
- نعم يا بنى وأنت أيضا بخير
نظر له حازم قائلا من بين دموعه
- أتضحى بنفسك من أجلى يا نبيل !! إننى لا أستحق أخ مثلك
نظر له نبيل بابتسامة واهنة على وجهه قائلا
- لا تـ تقل هذا يـ يا أأخى إننى أ أحبك كـ كثيرا يا حا حازم
زاد بكاء حازم وهو يقول
-إنك نبيل فعلا .. كيف لم ألحظ ذلك كل هذه السنوات؟.. سامحنى يا أخى
ربت نبيل على رأسه وهو يقول
- أأنا أأحبكم كـ كثيرا
مسح حازم دموعه قائلا
- لم تخبرنى من قبل أنك تجيد القيادة هكذا
ابتسم نبيل قائلا
- كـ كنت أشاهدك ووأنت تقود سـ سيارتك
ثم نظر لأبيه وهو يقول
- آسف يا أبى لأن سـ سيارتك تـ تحطمت
قبله والده قائلا
- المهم سلامتكما يا ولدى
بينما أغروقت عينا والدته بالدموع وهى تقبله قائلة
- حمد لله على سلامتك يا نبيل .. لم أكن لأتخيل الحياة من دونك يا ولدى
بينما ابتسمت له سلمى قائلة
- الحمد لله أنك بخير يا نبيل
نظر لهم نبيل مبتسما إنها المرة الأولى التى يشعر فيها أن هناك من يحبه ويهتم لأمره .. كان شعورا رائعا حقا حتى وإن كان ممزوجا بكل هذه الآلام ...
مضت عدة سنوات على حياة نبيل الجديدة .. حب جميع من حوله أعاد له الثقة من جديد .. أصبح يتحدث الآن بشكل طبيعى للغاية .. كما أنه قد درس الحاسب الآلى وحصل على عدة دورات فى مجال البرمجة ومن ثم افتتح شركة للكمبيوتر والبرمجة
وقد أصبح نبيل مبرمج ممتاز وخاصة لبرامج ألعاب الأطفال .. وأصبح أخيه حازم يلجأ إليه فيما يستعصى عليه فى الكمبيوتر ... وإن كان هناك عادة لم يستطع الخلاص منها وهى عشقه لمتابعة أفلام الكارتون مع ولديه الصغيرين وزوجته ســــلمـــــى