ولقد أضفت على هذه الميزة ميزة أخرى حيث أظهرت حينما سمعت السؤال أنني سارح الذهن وكأنني في عالم آخر..
ثم لما قامت عروسي-الله يعطيها الصحة-بهز عضدي
وهي تقول:أييييي...وين رحت يا حبيبي توك تكلمني وش فيك سرحت بهذي السرعة..
فأظهرت أنني قد انتبهت وأنا في باطني في قمة الانتباه والترقب والتحفز والاستعداد ولجأت إلى خطة صاحبنا وطلبت منها أن تعيد السؤال كأني لم أسمعه..
فقالت:حاضر ولا يهمك..السؤال يا حبيبي هو :من تحب أكثر أنا أو زوجتك الأولى..
فقلت بعد أن سكت قليلاً:وليش هذا السؤال بالذات؟؟..
فقالت وقد بدأت النرفزة الحريمية تشق طريقها السهل في جبينها الذي تدلت فوقه خصلة من شعرها الناعم كأنما تريدهذه الخصلة أن تعيق تقدم تلك الغضبة البغيضة:ليه يا حبيبي؟؟؟وش في هذا السؤال..سؤال بريء..
كل حرمة تبغى تعرف منزلتها عند زوجها..فقلت:وأنتِ إلى الآن ما تعرفين منزلتك عندي يا عيوني..
فردت:وش فيك تقول كلمة عيوني من غير نفس
..
فقلت:لا يا روحي بالعكس طالعة من قلبي وروحي..وبدأت أسترسل في وصف حبي لها ومقدار تولعي بها وإقبالي عليها وأنها أحدثت نقلة هائلة في حياتي إلى آخر تلك الاسطوانة الممغنطة بأساليب الرجال ومكرهم..
وظننت أنني قد أنجح في صرفها عن السؤال الحريمي الأول في حياة أي امرأة اقترن بها زوج متزوج قبلها أو بعدها..
وبعد أن أنهيت قصتي كاملة في وصف حبي لها قالت:هاه بعدك ما جاوبتني يا حبيبي على سؤالي..
فحاولت إدخال شيء من المرح والظرف على الموقف:
وقلت:أي سؤال..
أي ســـــــــــؤال..
جاوبني يا حبيبي وبلاش تتهرب من الإجابة!!!..
عندئذ استويت في جلستي وقلت في نفسي ما يقوله ظراف المصريين:الله الله على القَّد (الجِّد) والقَّد (الجِّد) الله الله عليه..وقلت:ضروري الإجابة على هذا السؤال..ضروري مرة!!!..
فقالت:نعم ضروري وضروري وضروري..
وإلا شكلك ما تبغى تجاوب لأنك عارف نفسك زين...وما تبغى تزعلني...
لا ....جاوب بصراحة...أرجوك خلك صريح معي...وبلاش لف ودوران وتدخل وتخرج في الكلام!!!!...
مسكينات هؤلاء النساء فهل ستظن الواحدة منهن أن لو كان زوجها عاقلا و يحب غيرها أكثر منها هل سيخبرها بذلك ليجرح مشاعرها..وينال من كرامتها؟؟؟؟؟....
وحيث أن سعادتي أعمل في حقل التعليم وقد تعلمنا طرق التدريس وتوصيل المعلومة ونصف كل هذا من الفلسفة..فقد قررت أن أدخل بعروسي في جو من الفلسفة والمنطق وأخبرها أنني لو قلت لها أنها هي التي أحبها أكثر من الأولى فقد يتطرق الشك إليكِ وتقولين:وأكيد وأكيدين وثلاثماية أكيدوه إنه بيقول هذا الكلام لزوجته الأولى...
ففجأتني بقولها:بس أنت زوجتك الأولى ما تعرف إنك تزوجت عليها...فيكف يعقل أن تذهب إليها وتقول لها:إنك تحبها أكثر من غيرها...فارتبكت قليلا ثم استعدت التوازن وذكرت لها شيئاً من تجربتي الأولى في التعدد وأن زوجتي عرفت بها وأنها ربما سألتني السؤال نفسه!!!...
وآخيراً قطب جبينها بعد أن رفعت خصلة شعرها المتدلية عليه ولوت فمها قائلة:على كيفك يا حبيبي...لست مجبوراً على الإجابة...أنت حر....
وبدأت قطعان الحزن تستولي على مساحات التقطيب في جبينها ووجهها وتختم كلامها بقولها:
أنا آسفة إذا كنت أحرجتك...أو زودتها حبتين معاك...ولكن أردت أعرف مقدار حبك لي...ولكن يا خسارة..اللي ما لها بخت ولا حظ الله يكون في عونها...
ول ول ول ول...طبعا كانت هذه الولولات في قلبي تطرق فوق سقف مشاعري التي بدأ الحزن يحاول الاستيلاء عليها..
فقررت تطييب خاطرها...فاقتربت منها وطبعت قبلة صادقة على جبينها...
ألا يا سقى الله قبلة الجبين...
قبلة الجبين إرضاء الحبيب الحزين...ومفتاح جلاء الحزن الدفين!!!!
وطفقت أسترضيها وأذكر منزتها في قلبي وحبي لها...وأن الحب في القلب لا يعلم مقداره إلا خالقنا جل في علاه...
واستعنت بشيء من الوعظ فقلوب النساء أشد قبولاً وأكثر تأثراً...
فألقت بوجهها بين كفي وقد ترقرقت عيناها بدمعتين محبوستين سرعان ما أطلق سراحهما فانطلقتا تسعيان على محاجرها حتى اختفتا بين أناملي..
وبقينا صامتين لحظات ..
...
ثم جاء منادي الجوع ينادي...وطلبنا الإفطار في الغرفة...وأفطرنا فطوراً متوسطاً...ثم شربنا الشاي وأخذنا نتبادل الحديث الودي فيما بيننا...
ثم وجدتني أحتاج شيئاً من النوم...فاستأذنتها فأذنت وبقيت جواري كأنها تبحث عن إجابة لسؤالها الذي لم تسمع إجابته....
وجاءت صلاة الظهر وصلينا ثم هاتفت استقبال الفندق وذكرت له أننا سنغادر بحفظ الله ورعايته الغرفة بعد تناول الغداء...
طبعا كان هذا اتفاقي مع عروسي على قضاء ليلة وردية نرجسية رومانسية عسلية في الفندق...
فالتفتت إليَّ عروسي وقالت:تكفى خلينا نقعد ليلة ثانية عشان خاطري يا حبيبي...
فقلت:غالي والطلب رخيص ولكن يا روحي أنت عارفة إن عندي موعد مهم جداً ولا أستطيع تأجيله كما ذكرت لك سابقاً..
وأبشري بالخير يا نور العين...والجايات بإذن الله تعالى أكثر وأحلى وأجمل من الرايحات...
والحمد لله فلم تناقشني في هذه المسئلة كثيراً ومرت الأمور بسلام...تمام على تمام...
وتناولنا الغداء في الغرفة أيضاً...
ثم حزمنا حقائبنا وطلبنا العامل فجاء سريعا وحملها إلى السيارة...
وفي الطريق أخذت وعروسي نقيم نزهتنا الصغيرة تلك...وكانت محل إجماعنا بحلاوتها وروعتها...
...
ووصلنا منزل أهلها ونزلت ببطء ونزلت معها وأنزلت الحقائب..وجاءنا من تفضل بحملها إلى الداخل...
واستأذنت منها للانصراف فقد بدأ التوتر والقلق يغلبان علي بسبب ما قد يسفر عنه لقائي الأول بزوجتي الأولى...
فرجتني أن أدخل ولو لفترة قليلة...فلبيت الطلب مجاملة ومدارة...
ودخلت معها ووصلنا غرفة النوم...وأخذت بيدي وأجلستني على طرف السرير...ثم أطلقت نظرات حائرة نظرات والهة نظرات حزينة...
ثم أعقبتها بابتسامة خفيفة ضعيفة سرعان ما انهملت الدموع فوق تلك الابتسامة الحلوة...
فكأنها شمس الأصيل حين تمطر السحاب هتاناً خفيفاً جميلاً...
ثم ألقت برأسها في حجري وبدأ صوت بكائها في الارتفاع...
وأنا أحاول إسكاتها بكل رفق ولين...
وأعدها بأنني لن أتأخر عنها وسوف أضعها داخل بؤبؤ عيني وفي شغاف قلبي...
ثم أخذت بيدها ونهضت بها...وهي لا تكف عن البكاء...
فاسترضيتها وبينما كنت أهم بالمغادرة إذا بالمشاكس الصغير يدخل صارخاً :أمي..أمي...ويتعلق بطرف ثوبها...
فكان مجيئه حفظه الله ورعاه في الوقت المناسب..
فانحنت عليه تقبله وتداعبه...فقلت على سبيل اللقافة:
طبعاً يا عم....من لقي أحبابه نسي أصحابه...
فالتفتت ضاحكة وهي تبعد ابنها برفق...وتقول:
تعال أنت يا عم..............وصاحبنا قد شخص ببصره يطالع فيَّ مرة وفي أمه مرة أخرى...
فأوقفتها وقلت:إحم إحم...قف لا تلتحم...هذا الصغير قد اقتحم!!!!!...وخرجت من الباب مسرعاً :مع السلامة يا روحي..
خلي بالك على نفسك...
خلي بالك على نفسك..هذه الكلمة لها عند النساء معنيان:ظاهر وباطن...
فأما الظاهر فأظنه لا يخفى على أحد...
وأما الباطن فيعني:أن ينتبه لنفسه من الحريم خصوصا من الزوجة الأخرى وألا يأمن جانبها وألا يطيل المكث عندها وألا يطمئن إليها
...
خرجت وركبت سيارتي ويممت صوب منزل أصهاري وقلبي يخفق...
وفي الطريق اتصلت على منزل أصهاري وكلمت شقيق زوجتي الصغير وطلبت منه أن يخبر أخته بأنني قادم لأخذها حتى تأخذ أهبة الاستعداد...
ووصلت وناديت من جهاز النداء...أنا فلان خلوا فلانة تنزل...
وقررت حماتي استخدام إحدى المواد الثانوية في دستورها الجبروتي وهي أن تلطعني على الباب قرابة النصف ساعة...
مع أن بين اتصالي ومجيئي أكثر من نصف ساعة...
وانتظرت وتصبرت وأنا عدو الانتظار في العالم...
وانتهى المشهد المتوتر بنزول زوجتي وأطفالي من المنزل وحين رأيتهم اهتز قلبي فرحاً ولكن القلق غدا كلجام يخطم فرحي المندفع في مضمار الأشواق الحبيب...
ونزلت مسرعاً وفتحت باب السيارة لزوجتي...واعتنقت أطفالي..ثم ركبنا السيارة...
وسلمت على زوجتي فردت عليَّ ببرود...وحاولت الإمساك بيدها وكانت تبعد يدها عني...
ولكني آخيراً تمكنت من الإمساك بيدها...ولكن الطفل الكبير جثا بركبتيه بيني وبين أمه ووضع إحدى ركبتيه فوق أصابعي وكاد يكسر لي بعضها فكدت أنهره فتمالكت وسكت..
والتفت إليه فإذا هو يضحك...وجاء الآخر يزاحمه على المكان...وكاد أحدهما أن يسقط بين أقدامنا...
فطلبت منهما أن يبقيا في المرتبة الخلفية...
وكنت أحاول تطييب خاطر زوجتي والسؤال عنها وعن أهلها خصوصاً والدها...
وكانت تجيب ببرود...وظهر لي أنها في حالة حزن وشرود...
ووصلنا المنزل...ونزلنا...
وتوضأت ومكثت قليلاً وهي تغير ملابسها وملابس أطفالها..
وخرجت لأصلي المغرب...وعدت...ووجدتها قد أعدت القهوة والتمر والمعمول وبعض البسكويت الذي أحبه...
وبدأت ألعب مع أطفالي فأنا في شوق إليهم كبير...
وكنت ألمح في وجه زوجتي بين الفينة والأخرى وأنا ألاعب أطفالي فكنت أرى علامات الحزن والوجوم...
وقررت أن أقوم بعملية سريعة لإبعاد الأطفال...فأخذتهما إلى الغرفة التي بها ألعابهما فلما رأيا ذلك فرحا وانطلقا نحوها...
وعدت سريعا إلى زوجتي وحبيبتي وسعادتي...
هاه يا قمر...لا تكون زعلان...وهي ساكتة لا ترد...حبيبتي عمري حياتي قلبي روحي أملي وش فيك؟؟؟وش الي يرضيك...
وفكرت في الكلمة الآخيرة هذه في نفسي وكأنني عملت عملة خطيرة...بلى قد عملت...
وأقبلت أسترضيها وأستعطفها وأستدر ودادها وحبها وكانت تتبسم قليلا وتوجم كثيراً...
وما زلت بها حتى بدأت ترضى وإذا بوجهها يتهلل ويشرق إشراقة الشمس في صباح مطير...
وقررت استخدام قبلة الجبين إرضاء وإكراماً...
وما إن بدأت ترضى حتى عاد إليها شيء من الحزن وانكبت بين ذراعي باكية ولهى...
فأخذت أحاول تهدئتها وتطييب خاطرها وأسمعها والحق يقال كلمات الحب والود والعطف والحنان حتى رفعت رأسها ونطقت باسمي ثم وضعت عينيها في عيني وقالت:
أتحبــــــــــــــــــــــــــني؟؟؟...