كانت السيدة عائشة (رضي الله عنها) عالمة مفسرة ومحدثة، تعلم نساء المؤمنين،ويسألها كثير من الصحابة في أمور الدين،فقد هيأ لها الله سبحانه كل الأسباب التي جعلت منها أحد أعلام التفسير والحديث. وإذا تطرقنا إلى دورها العظيم في التفسير فإننا نجد أن كونها ابنة أبو بكر الصديق هو أحد الأسباب التي مكنتها من احتلال هذه المكانة في عالم التفسير، حيث أنها منذ نعومة أظافرها وهي تسمع القرآن من فم والدها الصديق، كما أن ذكائها و قوة ذاكرتها سبب آخر،ونلاحظ ذلك من قولها
( لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه و سلم وإني لجارية ألعب (بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده)).
ومن أهم الأسباب إنها كانت تشهد نزول الوحي على رسول الله، وكانت(رضي الله عنها)تسأل الرسول عن معاني القرآن الكريم وإلى ما تشير إليه بعض الآيات.فجمعت بذلك شرف تلقي القرآن من النبي صلى الله عليه و سلم فور نزوله وتلقي معانيه أيضا من رسول الله. وقد جمعت (رضي الله عنها) إلى جانب ذلك كل ما يحتاجه المفسر كقوتها في اللغة العربية وفصاحة لسانها و علو بيانها.
كانت السيدة تحرص على تفسير القرآن الكريم بما يتناسب وأصول الدين وعقائده، ويتضح ذلك في ما قاله عروة يسأل السيدة عائشة عن قوله تعالى(( حتى إذا استيأس الرسل و ظنوا أنهم قد كُذِبُوا جاءهم نصرنا…)) قلت: أ كُذِبُوا أم كُذِّبُوا؟ قالت عائشة: كُذِّبُوا، قلت: قد استيقنوا أن قومهم كذّبوهم فما هو بالظن، قالت: أجل لعمري قد استيقنوا بذلك، فقلت لها:وظنَّوا أنهم قد كُذِبُوا؟ قالت: معاذ الله لم تكن الرسل تظن ذلك بربها، قلت: فما هذه الآية؟ قالت: هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوهم، فطال عليهم البلاء و استأخر عنهم النصر، حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم، وظنت الرسل أن اتباعهم قد كذَّبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك)).
وفي موقف آخر يتضح لنا أن السيدة عائشة كانت تحرص على إظهار ارتباط آيات القرآن بعضها ببعض بحيث كانت تفسر القرآن بالقرآن. وبذلك فإن السيدة عائشة تكون قد مهدت لكل من أتى بعدها أمثل الطرق لفهم القرآن الكريم . أما من حيث إنها كانت من كبار حفاظ السنة من الصحابة، فقد احتلت (رضي الله عنها) المرتبة الخامسة في حفظ الحديث وروايته، حيث إنها أتت بعد أبي هريرة ، وابن عمر وأنس بن مالك ، وابن عباس (رضي الله عنهم).
ولكنها امتازت عنهم بأن معظم الأحاديث التي روتها قد تلقتها مباشرة من النبي صلى الله عليه و سلم كما أن معظم الأحاديث التي روتها كانت تتضمن على السنن الفعلية . ذلك أن الحجرة المباركة أصبحت مدرسة الحديث الأول يقصدها أهل العلم لزيارة النبي صلى الله عليه و سلم وتلقي السنة من السيدة التي كانت أقرب الناس إلى رسول الله، فكانت لا تبخل بعلمها على أحدٍ منهم، ولذلك كان عدد الرواة عنها كبير.
كانت (رضي الله عنها) ترى وجوب المحافظة على ألفاظ الحديث كما هي، وقد لاحظنا ذلك من رواية عروة بن الزبير عندما قالت له (( يا ابن أختي ! بلغني أن عبدالله بن عمرو مار بنا إلى الحج . فالقه فسائله . فإنه قد حمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علما كثيرا . قال فلقيته فساءلته عن أشياء يذكرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال عروة : فكان فيما ذكر ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن الله لا ينتزع العلم من الناس انتزاعا . ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم . ويبقى في الناس رؤسا جهالا . يفتونهم بغير علم . فيضلون ويضلون " . قال عروة : فلما حدثت عائشة بذلك ، أعظمت ذلك وأنكرته . قالت : أحدثك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا ؟ قال عروة : حتى إذا كان قابل ، قالت له : إن ابن عمرو قد قدم . فالقه . ثم فاتحه حتى تسأله عن الحديث الذي ذكره لك في العلم . قال فلقيته فساءلته . فذكره لي نحو ما حدثني به ، في مرته الأولى . قال عروة : فلما أخبرتها بذلك . قالت : ما أحسبه إلا قد صدق . أراه لم يزد فيه شيئا ولم ينقص )) .
الراوي: عائشة - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: مسلم - المصدر: المسند الصحيح - الصفحة أو الرقم: 2673
ولذلك كان بعض رواة الحديث يأتون إليها ويسمعونها بعض الأحاديث ليتأكدوا من صحتها، كما إنهم لو اختلفوا في أمر ما رجعوا إليها. ومن هذا كله يتبين لنا دور السيدة عائشة و فضلها في نقل السنة النبوية ونشرها بين الناس، ولولا أن الله تعالى أهلها لذلك لضاع قسم كبير من سنة النبي صلى الله عليه و سلم الفعلية في بيته عليه الصلاة و السلام
مسند أحمد ج: 4 ص: 271 - 272
حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال : جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فسمع عائشة وهى رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن له فدخل فقال يا ابنة أم رومان وتناولها أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها قال فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها يترضاها ألا ترين انى قد حلت بين الرجل وبينك قال ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها قال فأذن له فدخل فقال له أبو بكر يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما
سير أعلام النبلاء للذهبي ج: 2 ص: 171 - 172
قال : أبو نعيم حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا عائشة ترفع صوتها عليه فقال يا بنت فلانة ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها ثم خرج أبو بكر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يترضاها وقال: ألم تريني حلت بين الرجل وبينك ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما فقال أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما. أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حجاج بن محمد عن يونس نحوه ، لكنه قال : عن أبيه عن أبي إسحاق عن العيزار عن النعمان . ورواه عمرو العنقزي ، عن يونس عن أبيه فأسقط العيزار . وروى نحوه أحمد في مسنده عن وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث ، عن النعمان.
سير أعلام النبلاء للذهبي ج: 10 ص: 143
أنبأنا ابن قدامة وجماعة عن أبي جعفر الصيدلاني أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله أخبرنا ابن ريذة اخبرنا سليمان بن احمد حدثنا ابو زرعة الدمشقي حدثنا ابو نعيم حدثنا يونس بن ابي اسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال استأذن ابو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا عائشة ترفع عليه صوتها فقال يا ابنة فلانة ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها ثم خرج ابو بكر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يترضاها فقال ألم تريني حلت بين الرجل وبينك ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما فقال أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما. أخرجه أبو داود والنسائي من حديث يونس. انتهى.
السنن الكبرى للنسائي ج: 5 ص: 139
8495 أخبرني عبدة بن عبد الرحيم قال أخبرنا عمرو بن محمد قال أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال : استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم عائشة عاليا وهي تقول والله لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي فأهوى إليها أبو بكر ليلطمها وقال يا ابنة فلانة أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر مغضبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة كيف رأيتني أنقذتك من الرجل ثم استأذن أبو بكر بعد ذلك وقد اصطلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة فقال أدخلاني في السلم كما أدخلتماني في الحرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلنا
السنن الكبرى للنسائي ج: 5 ص: 365
9155 أخبرني عبدة بن عبد الرحيم المروزي قال نا عمرو بن محمد يعني العنقزي قال أنا يونس بن أبي إسحاق عن عيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال : استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم (فسمع صوت ) عائشة عاليا وهي تقول : والله لقد علمت أن عليا أحب إليك من أبي فأهوى إليها أبو بكر ليلطمها وقال : يا ابنة فلانة أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمسكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر مغضبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة كيف رأيت أنقذتك من الرجل ثم استأذن أبو بكر بعد ذلك وقد أصطلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة فقال أدخلاني في السلم كما أدخلتماني في الحرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلنا
هذه الروايات فيها فضائل
للصديقة عائشة رضي الله عنها
ولأبيها الصديق رضي الله عنه
ويتبيّن ذلك بأمور:
1)
-أنه دافع عن الصديقة عائشة رضي الله عنها
- وراضاها
- وضاحكها
- وطيّب خاطرها
- ولم يُنكر عليها
وهذا هو البرهان في الروايات:
- ( فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها
فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها يترضاها ألا ترين انى قد حلت بين الرجل وبينك قال ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها )
- ( فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها ثم خرج أبو بكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا عائشة كيف رأيتني أنقذتك من الرجل ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما )
- ( فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها ثم خرج ابو بكر فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يترضاها
فقال ألم تريني حلت بين الرجل وبينك ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما )
-( فأمسكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر مغضبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة كيف رأيتني أنقذتك من الرجل )
-(فأمسكه رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج أبو بكر مغضبا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عائشة كيف رأيت أنقذتك من الرجل)
قوله صلى الله عليه وسلم "أنقذتك من الرجل" ولم يقل عن أبيك وإبعاده صلى الله عليه وسلم أبا بكر عن عائشة تطييبا وممازحة كل ذلك داخل في المزاح , ولذا أورده المؤلف في باب المزاح
2 )
فضيلة الصديق أبي بكر رضي الله عنه فقد أذن له مرتين وأشركه في أموره الخاصة مرتين
وهذا هو البرهان في الروايات:
-(ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها قال فأذن له فدخل فقال له أبو بكر يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما)
-( ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما
فقال أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما)
-(ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى فسمع تضاحكهما
فقال أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما)
- (استأذن أبو بكر بعد ذلك وقد اصطلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة فقال أدخلاني في السلم كما أدخلتماني في الحرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلنا )
-(ثم استأذن أبو بكر بعد ذلك وقد أصطلح رسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة فقال أدخلاني في السلم كما أدخلتماني في الحرب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فعلنا)
وفضيلة أخرى للصديق رضي الله عنه
وهو غضبه لرسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وبرهانه بحمد الله واضح لكل ذي عينين
والله أعلم
عن عائشة رضيَ اللهُ عنها، أنَّها ذُكِرَتْ عند رجلٍ، فسبَّها! فقيل له: أليست أُمَّك؟! قال: ما هي بأمّ! فبَلَغَها ذلك، فقالت: "صَدَق، إنَّما أنا أمُّ المؤمنين، وأمَّا الكافرين فلستُ لهم بأمّ". رواه الإمامُ قِوَامُ السُّنَّةِ الأصبهانيُّ التَّيْمِيُّ في «الحُجَّة في بيانِ المَحَجَّة» (377) مِن طريقِ عُروة، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: "لَمَّا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طِيبَ النَّفْسِ, قُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ الله لِي". قَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَائِشَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَا وَمَا تَأَخَّرَ وَمَا أَسَرَّتْ وَمَا أَعْلَنَتْ", فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ حَتَّى سَقَطَ رَأْسُهَا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الضَّحِكِ, فَقَالَ: "أَيَسُرُّكِ دُعَائِي?" فَقَالَتْ: "وَمَا لِي لا يَسُرُّنِي دُعَاؤُكَ?" فَقَالَ: "وَاللهِ إِنَّهَا لَدَعْوَتِي لأُمَّتِي فِي كُلِّ صَلاة". أخرجه البزَّار في " مسنده " ( 2658 - كشف الأستار ) وحَسَّنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (5 / 324). بأبي أنت وأمي يارسول الله ما أعظمك وما أرحمك بأُمَّتِك، ولقد وصفك ربك ومولاك فقال في حقك: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ". وقال: "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ". فمتى نحرص نحن عليه وعلى اتِّبَاعِهِ حَقَّ الاتِّبَاع؟ اللهم جَازِهِ عَنا خير ماجَزَيْتَ نَبِياً عن أُمَّتِه واللهم عليك بمن آذاه في أهل بيته.