السؤال
السلام عليكم.أدعو الله لكم بالتوفيق والسَّداد.استشارتي قد تكون غريبة أن يتقدَّم بها رجلٌ؛ لأن هذه المشكلة عادة ما يُعاني منها النساء.أنا رجل - حسب البوصلة الشخصيَّة - شرقي شمالي، ولكن أختلف عن نمط الشخصيَّة بأني رومانسي إلى أبعد درجة، بل أشعر ببركانٍ من المشاعر داخلي، أُغدقه على زوجي بوسائل وطُرقٍ ومفاجآت شتَّى، ولكنَّ النتيجة جمود عاطفي رهيبٌ، بل شيء خيالي يدفعني أحيانًا إلى البكاء عندما أكون وحيدًا.تكلَّمت مع زوجي، وهذا أعدّه خطأً، وصارَحتها بأني أجد منها جمودًا عاطفيًّا، فكانت تفعل ما أطلبُ، ولكن مجرَّد ما أطلب منها ويأتي الغد، وتَفعل ما أطلب، أحس أنَّ كلَّ ما فعَلته كان كذبًا، ولَم يَخرج من داخلها؛ لذلك لا يكون له أبدًا أيُّ قيمة عندي، فأحس أنها تَكذب في مشاعرها.والمشكلة أني أحَطْتُها بالتعليمات من كثرة المصارحة، فلم يَعُد هناك شيءٌ تقوم به سوى تنفيذ التعليمات، فأقرب شيءٍ يُشبه مشاعرها، السيَّارة المُعطَّلة التي لا تتحرَّك إلاَّ بالدَّفع.الشيء الثاني في شخصيَّتها هو اللامبالاة، وعدم وجود أيِّ هدفٍ، رغم كونها جامعيَّة، وتركت وظيفتها، عِلمًا بأنها لَم تكن تُنفق أبدًا عندما كانت موظَّفة، بل كنتُ أنا مَن يُنفق على البيت، ورَفَضتُ أن تُساعدني، فقط كانت تَفعل براتبها ما تريد.ليس لها هدفٌ سوى الخروج للتنزُّه، أو المراسلات الفورية والمكالمات الهاتفيَّة مع زميلاتها، وثرثرة النساء، وليس لها أيُّ اهتمامٍ آخر أبدًا، وهذا ما يُثير غيظي، وأحيانًا يُسبِّب مشكلات يسيرة، فنحلُّها بسرعة.هاتان المشكلتان جعَلتاني أُفكِّر - بشكلٍ جدي - في زوجة ثانية، تُشاطرني أفكاري؛ لأني يَئِسْت منها؛ وأشعر أني وصَلت معها إلى طريقٍ مسدود، رغم أنه خلال مدة زواجنا كانت هناك تضحيات من الطرفين.قرأتُ كثيرًا، وحاوَلت بوسائلَ شتَّى، ولَمَّا يَئِستُ، صارَحتها بأني سوف أتزوَّج، ولكن ماذا كان ردُّها بعد رَفْضٍ طويل؟ كان ردُّها: "تزوَّج، ولكن بشرط ألاَّ يدري أحدٌ"، تَقصد أني عندما أتزوَّج، لا أُخبرها ولا أُخبر أحدًا؛ لكيلا تُحرَج أمام الناس، أصبَحت لا أَفهمها، هل هي تُحبُّني؟ أم تحبُّ أطفالها؟لذلك تُحاول إرضائي.حتى البارحة كنتُ أبكي وحيدًا في سيَّارتي.أرجو النُّصح، وشكرًا.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.ما دُمنا سنتحدَّث عن البوصلة الشخصية، فهناك نصائحُ عديدة للشماليين؛ سواء كانوا تقليديين، أو مُتطرِّفين عند تعامُلهم مع مَن حولهم، وبخاصة الأقرباء، قدَّمها "دايان ترينر، وثلما جريكو" في كتابهما الرائع: "بوصلة الشخصية"، والذي قام بترجمته الدكتور "حمود الشريف"، آثرتُ أن أعرضَها وأُناقشها على ضوء ما جاء في رسالتك:1- التودُّد عند محادثة الآخرين، وتجنُّب صيغة إلقاء الأوامر قدر المُستطاع:لاحِظ أنَّ هذا الأسلوب لَم تَجنِ منه إلاَّ نتيجة أبعدَ ما تكون عمَّا كنتَ ترغب فيه، والدليل قولك: "المشكلة أني أحَطْتُها بالتعليمات من كثرة المصارحة، فلم يَعد هناك شيءٌ تقوم به سوى تنفيذ التعليمات"، فلو حوَّلتَ عبارات اللوم، أو استبْدَلت إلقاء الأوامر بإشارات لطيفة خفيفة، وأرجو ألاَّ تقول: "قد فعَلت ولَم تَستجب"؛ فهي حُجَّة غير مقبولة من زوجٍ عاقلٍ رشيدٍ، هدفه الرئيس إصلاح الأسرة، ولَمُّ شَمْلِ قلوبها. 2- لا بدَّ من تدريب النفس وتَمرينها على الصبر:قد بدَا لي من صيغة رسالتك وأسلوبك، أنَّك بحاجة لجُرعات من التصبُّر، أعلمُ أنَّك صَبَرت على حالك معها طويلاً، لكنَّك تَعترف أنَّ هناك تضحيات حدَثت من الطرفين، والصبر يكون على ما أصابَك وحْدك، ويكون على فَقْد ما تحبُّ وابتلائك بما تَكره؛ يقول ابن المُقَفَّع:"اعْلَم أنَّ الصبر صبران: صبرُ المرءِ على ما يَكره، وصَبْرُه عمَّا يحبُّ، والصبرُ على المكروهِ أكبرهما وأشْبَههما أن يكون صاحبُه مُضطرًّا.واعْلَم أنَّ اللئامَ أصبرُ أجسادًا، وأنَّ الكرامَ أصبرُ نفوسًا، والصبرُ الممدوح أن يكونَ للنفسِ غَلوبًا، وللأمورِ مُحتمِلاً، وفي الضرَّاء مُتجمِّلاً، ولنفسه عند الرأي والحفاظ مُرتبطًا، وللحَزمِ مُؤثِرًا، وللهوى تارِكًا، وللمَشقَّةِ التي يرجو حُسنَ عاقبتها مُستخِفًّا، وعلى مُجاهدة الأهواء والشهواتِ مُواظِبًا، ولبصيرته بعَزْمه مُنفِذًا".ألا ترى أن مشكلتين فقط في عُمر زواجك ليستا بالأمر العسير، وإن بَدَت كلتاهما كبيرة؟!لكن بوجه عام، أنا أرى أنَّ مشكلةً لكلٍّ ستِّ سنوات، لا تَعني أنَّ زوجَك على هذا النحو من السوء. 3- لا تشغل نفسك كثيرًا بالحُكم على مَن حولك:لا أظنُّ أنَّ صراحتي معك ستُتعبك أكثر مما أتعَبتَ نفسك، انظر كيف جعَلت تركيزك على صفاتها السلبيَّة؛ فهي باردة عاطفيًّا، وعديمة الاهتمامات، ومُنغلقة فكريًّا، ولا تحبُّك، وصَنَّفتها أيضًا - تبعًا للبوصلة الشخصيَّة - على أنها جنوبيَّة غربيَّة، كلُّ هذا أدخَلك في دوَّامة من القلق، وأحاطَك بسوار من اليأس، لا يكفُّ عن إشعارك بالاختناق!عليك بمحاولة إصلاح ما يُنَغِّص عيشك، ويَقضُّ مَضجعك، لكن لا تجعل الفكرة تُسيطر عليك وتملأ حياتك، وتَعوقك عن تقديم كلِّ ما يُسعدك أو يُسعدها. 4- فَكِّر في حاجات الآخرين:أنت تُغدق عليها الكلمات الجميلة، وتُفيض من بركان المشاعر المُلتهب، وتَقذفها بحِمَمٍ من حرارة العاطفة المُتَّقِدة بداخلك، أَصدُقُك القول: إنَّ هذا قد يَروق الكثير من النساء ويُسعدهنَّ، لكن ليستْ كلُّ النساء سواسية كالرجال، أليس كذلك؟!قد تَشعر بعض النساء بالاختناق من إحاطتها بذلك الكمِّ الهائل من المشاعر، فلِمَ لا تُفكِّر في حاجتها الخاصة، وتَعمل على تلبيتها، ولو لَم تَكن تُسعدك أنت، فقد تُسعدها، وقد بدا لك الاختلاف البيِّن في شخصيَّة كلٍّ منكما، وابتعادها عن الآخر، قد تُسعدها الهدية الماديَّة، أو مبلغ من المال، كمصروف شهري بعد أن فقَدتْ عملها، قد يَسُرُّها اهتمامك بأمر والدَيها أكثر من كلمات الحب وعبارات الغَزل، قد تُفضِّل مساعدتك إيَّاها في بعض أعمال البيت، ويفوق ذلك كلَّ عبارات الشوق.الخلاصة: ابْحَث عمَّا تريده هي، وليس عمَّا يُرضيك ويُسعدك، إن أرَدْتَ كَسْبَ قَلبها. 5- قاوم إغراء تصويب مَن حولك، وتعديل سلوكيَّاتهم بشكل عَلَني:أنا أُقدِّر أنَّ أوَّل مَن تبحث عن إصلاحها، وتُفكِّر في تعديل ما اعْوَجَّ من سلوكها - زوجُك، وأعلم أنها أوَّل مَن يهمُّك أمرها، لكن إلقاء التعليمات بصوت مرتفعٍ، لا يأتي بنتيجة مُرضية مع الأطفال، فكيف مع امرأة تَشعر وتتألَّم، ولا تُعلن عن تلك المشاعر، أو تُفصح عن شيءٍ منها؟! 6- تجنَّب الجَدَل قَدْر المُستطاع:
مَتَى نَرْجُو لِغُمَّتِنَا انْكِشَافَا
وَقَدْ أَمْسَى الشِّقَاقُ لَنَا مَطَافَا مَلأْنَا الْجَوَّ بِالْجَدَلِ اصْطِخَابًا وَكُنَّا قَبْلُ نَمْلَؤُهُ هُتَافَا وَمَا زِلْنَا نَهِيمُ بِكُلِّ وَادٍ مِنَ الأَقْوَالِ نُرْسِلُهَا جُزَافَا |