عزيزتي
أقدر ما تمرين به من ضغوط وما مررت به بتجربتك الزوجية، وقد فهمت منك بأنك حاليا قد تركت البيت بسبب المشكلات، وشعورك بأنه لم يعد يحبك .
بداية عزيزتي أقول لك بأن مشكلتك تقلق أي زوجة لكنها ليست الحالة الوحيدة كما أن تركك لمنزل الزوجية قد يكون له إيجابياته وقد يكون أداة غير مباشرة لتعديل سلوك زوجك تجاهك، لكنك لم تذكري فيما إذا كنت قد أخذت ابنتك معك أم لا؟ وهل سبب خوفك من حرمانك من الطفل القادم هو أنك لسبب أو لآخر لا تستطيعين حضانة أطفالك فيما لو وقع الطلاق؟ من الناحية القانونية والشرعية حضانة أطفالك لك فاطمئني، لكن قبل التفكير بهذا الأمر لتفكري بالمشكلة القائمة حاليا، فأنت حامل ولا أعتقد أن زوجك لا يحب أطفاله، فالرجل قد يمر بظروف تجعل مشاعره تتخبط أحيانا ويتسبب بأضرار نفسية لزوجته لكنه كأب إلا في حالات نادرة تبقى مشاعره مشاعر ثابتة تجاه أطفاله .
ما أنصحك به هو أن تستبعدي حاليا فكرة الطلاق لكن في الوقت ذاته لا تشعري زوجك بنقاط ضعف سواء خوفك من الطلاق أو خوفك من خسارة طفلك القادمفهذا قد يجعله أكثر استهتارا، حاولي أن تقنعيه بأنك قد تتخذين قرارا بترك المنزل أو الانفصال قطعيا وستحتفظين بأبنائك لأن ذلك من حقك،أما ما قد يحدث في الأيام المقبلة فقد يحدد ما ستكون عليه طبيعة العلاقة بينكما خاصة وأنها المرة الأولى التي تتركين فيها المنزل، ربما يشعر بالندم ويحاول إرجاعك وربما يسترضيك وهذا لا بد سيحدث لأن علاقة زوجية سوف تثمر عن طفل تربطكما وليست علاقة محبين فقط.
فعليك مواجهته حينها بالحق وبأنك لا ترتضين لنفسك أن تعيشي معه ومشاعره مشتتة هنا وهناك، والأهم من ذلك هو أن تحافظي على علاقتك به كزوجة لكن دون إشعاره بأنك لا تستطيعين العيش بدونه وبدون تتبعه بطريقة قد تجعله مستفزا، الرجل يا عزيزتي والزوج تحديدا لا يعطى المشاعر دفعة واحدة فكوني معتدلة بمشاعرك تجاهه وإذا شعرت بتقصير منه حاولي تجاهله لا استرضائه، كما أن ترقبه ومحاولة تكبيله طريقة لا تجدي ولن تنهي علاقاته، قد تكون المرحلة التي يمر بها مرحلة مؤقتة قد يكون أحد أسبابها هو انشغالك بالحمل والولادة لكن هذا ليس مبررا لكنه ربما أفسح له الفرصة والوقت لبناء علاقات أخرى.
أنصحك بأن تتعاملي مع الموضوع بعقلانية وبالتفكير بوضع أسري وليس علاقة زوج وزوجة فقط وحاولي ما استطعت إصلاح سلوكياته وقد يكون الحال أفضل بعد إنجابك للمولود وبعد شعوره بأنه أصبح أب مسئول تجاه زوجة وطفل و الزواج في بدايته يكون مثل النبتة الصغيرة التي تُغرس في الأرض وتحتاج الرعاية والسقي لتنمو وتترعرع.
وكأي غرس فإنه لا بد من وجود أسباب تعيق هذا النمو وتؤخر إثماره, فقد تجتاحها الرياح وقد يعتريها الجفاف أو تهاجمها الآفات فتعيق نموها وإزهارها, وهنا يأتي دور الزارع البارع الذي يرعى نبتته ويجنبها تلك الآفات ويرويها ويحسن التعامل مع المعيقات لتنمو وتعيش وتصبح شجرة كبيرة مثمرة.
وإني لأرى زواجك بعمره القصير عدة اشهر نباتا غضا لينا يحتاج للرعاية والعناية ليشتد عوده ويقوى ويؤتي الثمر المرجو: أسرة وذرية صالحة يحيطها أبوان راعيان حانيان. وما يمر به زواجك الآن ما هي إلا معيقات بديهية يواجهها كل زواج في بدايته.. فأنت ككل فتاة تحلمين ببيت هانئ وزوج محب وأطفال يملؤون الحياة سعادة وبهجة, بينما زوجك يلمس أحلامك ويقع تحت وطأة الواقع الصعب فينصرف عن مشاركتك هذه الأحلام منعزلا إلى ضفة الهم والخوف من المجهول والتهيب من عجزه وعدم قدرته على تحقيق متطلبات الأسرة والأطفال والمصروفات والتعليم والحياة وعبئها, وحين يضغط عليه الهم بثقله يلجأ للهرب من مواجهة كل هذا ويفكر بإنهاء المشكلة من أساسها والتنصل من أسبابها.. إنه الطلاق! ولأنه في قرارة نفسه يعلم أنه غير منطقي في تفكيره فإنه يلجأ إلى التعلل بأسباب غير عقلانية مثل تعلله بأن الزوجة غير جميلة أو غير متعلمة أو لا تفهمه أو غيرها من الأسباب, وما هي إلا تعليلات فارغة يحاول أن يخفي وراءها عجزه عن مواجهة مسؤوليات الحياة.
لقد أشارت الدراسات الحديثة إلى أن دورة حياة الأسرة تمر بثماني مراحل تبدأ بزوجين دون أطفال وهي المرحلة التي تعيشانها سويا, ثم مرحلة إنجاب الأطفال, ثم أطفال ما قبل المدرسة, تليها مرحلة أطفال سن المدرسة, ثم المرحلة الخامسة وهي مرحلة الأبناء المراهقين, ثم مرحلة أسرة النــشاط الحر, ثم مرحلة تزويج الأولاد والاطمئنان على حياتهم المستقبلية ثم المرحلة الأخيرة وهي مرحلة زوجين متقدمين في السن, يلهو حولهما الأحفاد يجلسان جانبا يتذكران رحلة الحياة وهما يبتسمان, فما أقصر الحياة وما أمتع أن يعيش الإنسان فيها كل الأحوال, يعيش المشكلات والحروب لينعم بالسلام والهدوء, يعيش يوما في ضيق من الرزق ليشعر بنعمة الله عليه إذ وسع عليه, وشعاره في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم " أجوع يوما فأصبر وأشبع يوما فأشكر" هذه هي الحياة لن تكون كلها هموما ومشكلات ولن تكون كذلك كل الوقت أفراحا وابتسامات.
والحقيقة أن المرحلة الأولى من مراحل الزواج هي أخطر المراحل الثمانية لأنها مرحلة انتقالية كبرى في حياة الإنسان حيث جاء كل منهما من أسرة وبيئة تختلف عن أسرة وبيئة الآخر, متوقعين أن يعيشا حياة مثالية وأحلاما وردية, ولكن الواقع غير ذلك؛ فإذا بالمسؤوليات والحقوق والواجبات تحيط بهما وتحاصرهما من كل جانب, وإذا بكل منهما يكتشف عن صاحبه ما كان مخفياً من طبائع وأخلاق وعادات بعضها مقبول والبعض الآخر قد يكون صادما, كما تقول الزوجة الشاعرة:
كل يوم تبدي صروف الليالي خلقاً من أبي سعــــــيد عجيباً
فقد كان زوجكِ يحبك ويراكِ جميلة في فترة الخطوبة, فما الذي اختلف بعد الزواج؟ وما الأسباب المقنعة والواقعية التي جعلته بعد شهور يسعى لترككِ والانفصال عنكِ أليس كل هذا يدل على تخبطه بين رغباتك وبين ما يمكن أن يقدمه لك؟! كما يدل على شعوره بالعجز و الإحباط فكان القلق والتوتر و حالة التأرجح بين صدك والقرب منك التي انتهت بطرح هذه الفكرة اليائسة (الطلاق) وقد يكون بالفعل محسودا فالعين حق لكن الدافع الحقيقي هو الخوف من تحمل المسؤولية خصوصا أنكِ حامل و هو عما قريب سيصبح أبا مسؤولا ينفق ويرعى ويعيل الأسرة ويحمل همها.
لا شك أن عليكِ دورا كبيرا لإنجاح هذه المرحلة المهمة في رحلتكما المثيرة وهو أن تقتربي من زوجك أكثر وتتفهمي نفسيته وتقفي إلى جانبه فهو يحتاج إلى دعمكِ وتشجيعكِ، شاركيه آماله وآلامه, وعززي ثقته بنفسه وأظهري له حبكِ وتقديركِ له وأنه في عينك أفضل الرجال وكل ما لديك في هذه الدنيا.
أكدي له قناعتكِ بالرزق ورضاكِ الكامل عن حياتك معه وقاسميه الهموم وتعرفي على أحوال عمله وتحملي معه مسؤولية تدبير الإنفاق.
بيني له أن الرزق بيد الله, وأنه ما من نسمة خلقها الله إلا تكفل برزقها قبل أن يدفع بها إلى هذا الوجود قال تعالى
نحن نرزقهم وإياكم)
أكدي له أن الأطفال من أكبر أسباب سعة الرزق والتوسعة على الوالدين وأنه ما من طفل إلا ويأتي برزقه ويجعل الله به عزا وخيرا كثيرا
بيني له حماسك وترقبك لمجيء طفلكما لتريه أبا رائعا, حدثيه عن الأبوة وعن حب الأطفال لأبيهم وعن حاجتهم له حتى وهم في أرحام أمهاتهم, حدثيه كيف أن أول صوت يميزه الطفل هو صوت أبيه وأمه لأنه ألفه وسمعه وهو في الرحم, حدثيه عن صداقة الأطفال لأبيهم وأن الابن مَثَل أبيه, حدثيه كذلك أنك سوف تحبين طفلكِ لأنه من صلب زوجك الحبيب.
وأنصحكِ ألا تجعلي التجربة السابقة تقف حجر عثرة في طريق سعادتكِ الزوجية وحاولي التشاغل عنها والصفح والعفو والتسامح حتى يسير مركب الحياة أغلقي هذا الملف تماما ولا تفتحيه معه ولا مع نفسك.
وأخيرا لا تتواني عن الاهتمام بزينتك وشخصيتك, وتطوير نفسك والقراءة كثيرا فيما يتعلق بالزواج وتربية الأطفال وفن التعامل مع الزوج.
ولا تنسي عداوة الشيطان لنا ما حيينا وأن أشد ما يفرح له الشيطان ويشعره بالغبطة والانتصار هو أن يفرق بين الزوج وزوجه لأنه يعلم أن هدم الأسرة هو بداية الطريق لخراب النفوس وفساد القلوب والانجرار وراء المعاصي والشهوات
وبين كل هذا وذاك استشرفي عين الله ورعايته وقدرته واعملي على تعزيز علاقتك بالله والتقرب منه والتقوى له بالمحافظة على الصلاة والذكر وتعلم القرآن وحضور دروس العلم إن تيسر لكِ ذلك" ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" فأصلحي ما بينكِ وبين الله يصلح الله ما بينكِ وبين الخلق وييسر لكِ ما عسر من الأمر " ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا"
وعليك بالدعاء فهو الحبل الوثيق الذي يربط العبد بربه, اسألي الله تيسير الأمور وتقريب زوجك منك وتوفيق حياتكما وتربية طفلكما بما يرضي الله عز وجل
أسأل الله أن يوفقك في زواجك ويرعاكِ وولدك إنه ولي ذلك والقادر عليه.