الصيـام.. وصفـة ربانيـة لتحقيق صحة نفسية وبدنية للإنسان..!
لا شك ان كثرة وجبات الطعام وانتظامها ووفرتها تعطل وظيفة هامة لها دور أساسي في بقاء الجنس البشري، ألا وهي وظيفة التكيف مع قلة الطعام ولذلك كان الناس يلتزمون الصيام والحرمان من الطعام والشراب،إذ يحدث أول الأمر الشعور بالجوع ويحدث أحيانا التهيج العصبي ثم يعقب ذلك شعور بالضعف.بيـد انه تحدث الى جانب ذلك ظواهر خفية اهم بكثير منه، فان سكر الكبد سيتحرك وينحرك معه ايضا الدهن المخزون تحت الجلد وبروتينات العضل والغدد وخلايا الكبد،وتؤدي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة وظائفها للإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب بما يعني ان الصيام ينظف ويبدل انسجتنا.
الوازع الديني:
القاعدة الطبية تؤكد ان الوقاية هي أفضل وأجدى من العلاج،وهذا ينطبق تماما في حالة الأمراض النفسية،فقد ثبت من خلال الملاحظة والبحث في مجال الطب النفسي ان الأفراد الذين يتمتعون بشخصية متزنة ولديهم وازع ديني قوي ويلتزمون بأداء العبادات وروح الدين في تعاملهم هم غالبا يكونون أقل إصابة بالاضطرابات النفسية،وهم أكثر تحسنا واستجابة للعلاج عند الإصابة بأي مرض نفسي. والأمر المستغرب في ذلك ان بعض هذه الدراسات العلمية تم اجراؤها في الغرب حيث ذكرت نتائج هذه الأبحاث ان الايمان القوي بالله والانتظام في العبادات لدى بعض المرضى النفسيين كان عاملا مساعدا على سرعة شفائهم واستجابتهم للعلاج بصورة أفضل من مرضى آخرين يعانون من حالات مشابهة.
والأغرب من ذلك ان دراسات أجريت لمقارنة نتائج العلاج في مرض القلب والسرطان والأمراض المزمنة أفادت نتائجها بأن التحسن في المرضى الملتزمين بتعاليم الدين الذين يتمتعون بإيمان قوي بالله كان ملحوظا بنسبة تفوق غيرهم.وقد ذكرت هذه الأبحاث ان شعور الطمأنينة النفسية المصاحب للإيمان بالله له علاقة بقوة المناعة الداخلي الذي يقوم بدور حاسم في مقاومة الأمراض.
كبح جماح النفس وتربيتها:
المعلوم ان للصيام فوائد نفسية عديدة أهمها إنماء الشخصية بمعنى النضج وتحمل المسؤولية،والراحة النفسية. فالصيام يعطي الفرصة للإنسان لكي يفكر في ذاته ويعمل على التوازن الذي يؤدي الى الصحة العقلية، فالصيام يدرب الإنسان وينمي قدرته على التحكم في الذات، انه يخضع كل ميول الدنيا لسيطرة الإرادة وكل ذلك يتم بقوة الإيمان.حيث تتجلى في شهر رمضان الكريم أسمى غايات كبح جماح النفس وتربيتها بترك بعض العادات السيئة وخاصة عندما يضطر الإنسان المدخن لترك التدخين ولو مؤقتا على أمل تركه نهائيا. وكذلك عادة شرب القهوة والشاي بكثرة، هذا فضلا عن فوائد نفسية كثيرة..فالصائم يشعر بالطمأنينة والراحة النفسية والفكرية، ويحاول الابتعاد عما يعكر صفو الصيام من محرمات ومنغصات، ويحافظ على ضوابط السلوك الجيدة مما ينعكس إيجابا على المجتمع عموما.
لقد أثبتت دراسات عديدة انخفاض نسبة الجريمة والسلوك العدواني بوضوح في البلدان الإسلامية خلال شهر رمضان..فشهر الصيام المبارك يزيد من قوة الإنسان وقدرته على التغلب على الشهوات ، فالصيام ليس فقط امتناعا عن الطعام والشراب، ولكنه قبل ذلك امتناع عن العدوان والشهوات وميول الشر. ومن فوائد الصيام الأخرى انه يخضع الملذات لإرادة الإنسان..فعند الصيام يحدث نقص في سكر الدم وهذا يسبب نوعا من الفتور والكسل والسكينة، وهذه الأحاسيس تؤدي الى نوع من الضعف والقابلية للإيحاء..ومن ثم يكون الفرد في حالة من التواضع وعدم الاختيال بالذات،مع إحساس بالضعف والوهن.ومن هنا يأتي الخشوع والاتجاه الصحيح الى الخالق سبحانه وتعالى،وهو ما يعزز إيمان الإنسان ويقوي عقيدته..وهكذا نجد الصيام يعمق الخشوع والإحساس بالسكينة والتحكم في الشهوات وإنماء الشخصية والاتجاه الى الخالق.
جـو روحاني خالص:
إن أهم ما يميز شهر رمضان عن بقية شهور العام،هو الامتناع عن تناول الطعام والشراب وممارسة الشهوات خلال النهار ،إضافة الى الجو الروحاني الخالص الذي يميز هذا الشهر الفضيل من المشاركة العامة بين الأفراد في تنظيم أوقاتهم خلال اليوم بين العبادة والعمل في فترات محددة وتخصيص أوقات موحدة يجتمعون فيها للإفطار وهذه المشاركة في حد ذاتها لها أثر ايجابي من الناحية النفسية على المرضى النفسيين الذين يعانون من العزلة ويشعرون ان إصابتهم بالاضطراب النفسي قد وضعت حاجزا بينهم وبين المحيطين بهم في الأسرة والمجتمع.وشهر رمضان بما يتضمنه من نظام شامل يلقي بظلاله على الجميع حين يصومون خلال النهار،وتتميز سلوكياتهم عموما بالالتزام بالعبادات ومحاولات التقرب الى الله وتعم مظاهر التراحم بين الناس مما يبعث على الهدوء النفسي والخروج من دائرة الهموم النفسية المعتادة التي تمثل معاناة للمرضى النفسيين، فيسهم هذا التغيير الايجابي في حدوث تحسن في حياتهم النفسية.
كذلك للصيام آثار ايجابية في تقوية الإرادة التي تعتبر نقطة ضعف في كل مرضى النفس.كما ان الصيام هو تقرب الى الله يمنح أملا في الثواب،ويساعد على التخلص من المشاعر السلبية المصاحبة للمرض النفسي.كما ان الصبر الذي يتطلبه الامتناع عن تناول الطعام والشراب والممارسات الأخرى خلال النهار يسهم في مضاعفة قدرة المريض على التحمل مما يقوي مواجهته ومقاومته للأعراض المرضية..ولهذه الأسباب فان الأطباء النفسيين ينصحون جميع المرضى بالصيام في رمضان حيث ان ذلك يؤدي الى تحسن حالتهم.
الخروج من دائرة الياس:
المعلوم ان الاكتئاب يمثل مرضا مزمنا في هذا العصر الموسوم بالماديات وتداعياتها على النفس البشرية، حيث تبلغ نسبة الاصابه بهذا المرض 7% من سكان العالم حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية،وان أهم أعراض الاكتئاب هو الشعور باليأس والعزلة،وتراجع الإرادة والشعور بالذنب والتفكير في الانتحار..والصيام بما يمنحه للصائم من أمل في ثواب الله يجدد الرجاء لدى الفرد في الخروج من دائرة اليأس.كما ان المشاركة مع الآخرين في الصيام والعبادات والأعمال الصالحة خلال شهر رمضان تؤدي الى نهاية العزلة التي يفرضها الاكتئاب على المريض ،وممارسة العبادات مثل الانتظام في ذكر الله وانتظار الصلاة بعد الصلاة في هذا الشهر الكريم تتضمن التوبة وتقاوم مشاعر الإثم وتبعد الأذهان عن التفكير في إيـــذاء النفس بعد ان يشعر الشخص بقبول النفس والتفاؤل والأمل في مواجهة أعراض الاكتئاب.