لا أريدها
( قصيدة في هجاء الدنيا)
لا أريدها بما فيها ، و إن علت مبانيها
لا أريدها بزينتها ، و إن زَخَفت أراضيها
قطعتُ رجائي بها ، منذ علمت تفانيها
و أن متاعها زائلٌ ، و أن الحقَ ناهيها
و أن بريقها كاذبٌ ، و أن الموتَ حاديها
و أن أكثرها المرُ ، و أن الكَبَدَ جابيها
و أن جوها البردُ ، أو فيح الحرِ مغطيها
فـلا ضـمـانَ لـهـا ، و لا ثـبـاتَ يـقـويها
و لا دوامَ لــهـا ، و لا نـعـيـمَ يـعـلـيـها
إنما لذة ذهبت ، و آلام تبعت لتعـيـيـها
هذا حال حياتها ، أوجاع غلبت عليها
فَلِما أجري ورأها ؟ ، لأحصد مرَ شكاويها !
و أنا راحلٌ منها ، بُعَيدَ أيامٍ أقضيها
جُعِلَتْ جنة الكافر ، و في الدركات تدانيها
جيفة الأرض قبعت ، أو بين التراب تواريها
زوالُ أمرها صدقٌ ، و دار الأخرة تـليها
خرابُ حالها حقٌ ، و بالدناءة نسميها
لا تساوي جناح بعوضة ، بالحقارة نزدريها
و إلا شربة الماء سحبت ،و ما كان الله ساقيها
لكل نفس كفرت ، و دامت في تلاهيها
فليهنأ الكفارُ قليلاً ، فالندم في عقبيها
و النقص من عادتها ، و الذل بين يديها
قطعت رجائي بها ، لما عرفت أهليها
الغرور يغوي نفوسهم ، و على الخيانة يربيها
الحقد يملأ قلوبهم ، و من الوفاء يُخلِيها
الجشعُ سمةُ أعمالهم و من الحياء يعريها
الفحش طبع ألسنتهم و بسم الشر يغشيها
الجور لازم حكمهم ، إلا نادرة يَهوِيها
عزيزٌ أنا عنهم ، فلست من أجاريها
بعد أن بانت حقيقتها ، و طاش أملي فيها
تُقَطِعُ أوصال طالبها ، و تحرق قلب باغيها
نساءها سلعة بخسة ، تباع لمن يشتريها
عشيقة اليوم طليقة الغد ، و حضن غيرك يحويها
تعطي له ما أعطت لك ، و الفرحة تعتريها
وهو عندها أحسن منك ، بالعشق يشجيها
تمسي و تصبح بجواره ، و بالنفقات يهديها
أليست – تلك - حقيقة ٌ صعبة ٌ ، كل يوم- في الحكايات- نلاقيها
و كم من أرملة حزنت و فرحت في أيام تليها
و من زوج جديد حملت ، و نسيت حال ماضيها
ما طعنا في كرامتها و لا بالخطيئة نرميها
لكنه حال الدنيا ، في بليات نعانيها
دار إفتتان و إمتحان ، و قصر العمر حانيها
لا مالٌ تأخذ ُ و لا بنونٌ ، حين تلفظك من فيها
و تنفىَ لدارٍ أخرى ، ووحدك الأهوالَ تلاقيها