راجيه الرضا
مراقبة و متميزة أقسام نسوة
- إنضم
- 18 فبراير 2017
- المشاركات
- 14,580
لأننا كنا نصلح ما انكسر ..?
جمعتنا مناسبة عائلية فأعدنا تعريف أنفسنا من جديد ..!
في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، صرنا أبعد بكثير، نظن بأننا قرباء باللايك، وأننا أدينا ضرائب الصداقة وصلة الرحم نظراً لأننا كنا إيجابيين وقمنا بالكومنت!.
سنوات مرت قبل آخر مناسبة جمعتنا، لعب الزمن فيها لعبته على كل واحد منا، هذا بتجعيدة على جبينه، وذاك ببعض الشعرات البيضاء في منتصف رأسه، وآخر أقعدته السمنة فصار يلهث مع كل حركة يقوم بها.
دعانا هذا إلى أن يسأل كل منا صاحبه عما فعلت به الدنيا، ونتحدث عما وصل إليه حالنا، وعندما وجه أحد أقاربي كلامه لي، مشدداً على متابعته لما أكتب، وتطرق إلى عملي في مجال العلاقات الأسرية حتى ارتسمت إبتسامة هادئة على شفة رجل مسن وهو يسأل: وهل وصل الحال بكم إلى تقديم محاضرات وكتابة كتب عن العلاقات الزوجية، يبدو أنكم تعانون كثيراً!.
ابتسمت بدوري وأنا أشرح له ما تغير، وأجتهد في تأكيد قيمة ما أفعله، موضحاً أن الجيل الحالي يواجه تحديات كبيرة تستدعي منا طرح حلول خلاقة، ذلك أن كثير مما كان يصلح في الماضي لم يعد ذا جدوى في زمننا الحالي، وأننا بحاجة إلى تخطي فكرة التعلق بالزمن الجميل، وتقديم خطاب اللوم والتقريع لأبناء هذا الزمان، الذي لا يرضيه شيء، ولا يعرف قيمة النعمة التي بين يديه.
اعتدل الرجل في جلسته قائلاً بجدية: ليكن، ولكن جزء أصيل من مشكلة جيلكم يمكن تلخيصها في موضة "التوكيل"!.
أخذ نفساً قصيراً ملئ به رئته المتعبة قبل أن يقول بعدما اطمئن إلى انتباهنا لكلماته: في زمننا كنا نؤمن بقيمة الإصلاح، إصلاح الكرسي ذو القدم المتهالكة، التلفاز الذي لا يعمل إلا بالطرق، الحذاء الذي يتمرد على المجهود، السيارة التي تتعطل بشكل دوري ثابت، كنا نقول بألسنتنا فقط "اللي اتكسر ميتصلحش"، لكن الحقيقة أننا كنا نحاول إصلاح كل شيء، وعلى رأس ما كنا نعمل على إصلاحه هو علاقتنا التي يطالها السأم والبرود وتحوم حولها الضغوط والمشكلات.
مشكلة جيلكم الحقيقية أنه جيل تربى على راحة البال، يرى بأن الجديد أقل كلفة من إصلاح القديم، ما أن يتعطل شيء لديه إلا ويلقيه في سلة المهملات ويأتي بالجديد، كما قلت "التوكيل" يحل له المشكلة ويعيد كل شيء إلى حالته الأولى، وللأسف الشديد إن قبلنا هذا في "تيل الفرامل" فكيف نقبله في علاقة إنسانية، يلقيها الواحد منكم خلف ظهره، باحثاً عن جديد يخلو من عيوب القديم.
صمت الرجل لبرهة غامت فيها عيناه، يبدو أنه يعيد استحضار مشاهد ما من ذاكرته قبل أن يضيف بنفس اللهجة الجادة: نعم كنا نُصلح ما انكسر، ما يقارب النصف قرن عشتها مع زوجتي، لا أذكر مرة تم استحضار لفظ الطلاق بيننا، لم يفكر واحد فينا أن يلقي صاحبه في سلة المهملات، كنا نُعالج دائماً مشاكلنا وفي أذهاننا فرضية واحدة .. أن لا بديل آخر سوى الإصلاح، فنصبر، ونتغافل، ونحاول أن نوطن أنفسنا على التعايش مع بعض مما نكره، لا يوجد شيء ينكسر يصعب إصلاحه .. جزء من سعادتنا الحقيقية كانت في إيماننا الشديد "إن اللي انكسر لازم يتصلح"!
كعادتنا نحن شباب هذا الزمان، ما إن انتهى الرجل من كلماته إلا وحاول كل واحد من الحضور على تأكيد وجهة نظر مغايرة، انشغلوا في معركة الأجيال، وكيف أننا مظاليم رغم أنوفنا!، غير أن صمتي طال كثيراً، ثمة سؤال ظل يتردد في ذهني: هل حقا اتساع الخيارات أمامنا كان وبالاً علينا؟
هل أعجزنا حبل صبرنا القصير والمتهالك عن إعطاء الفرصة لصديق تغابى لبعض الوقت فأخرجناه من حياتنا لأن الجديد ينتظر؟!.
هل صرنا أكثر نزقاً وتوتراً وضيقاً، فلم نعد نبذل جهداً في الحفاظ على ما نملك، متحججين بأن الحياة أقصر من أن نقضيها في الإصلاح والمعالجة؟
هل صارت عبارة "ريح نفسك وهات واحد جديد" لا تشمل فقط الهاتف والسيارة والحاسوب الشخصي، وتغولت لتشمل حياتنا بكل جوانبها، الوظيفية منها، والإنسانية؟
جزء من طمأنينة البال مرتبط بالرضا، وجزء من هذا الرضا نابع من التسليم بكثير مما وصلنا إليه، فهل نهش فينا غول "الطموح" حتى شوهنا، هل "أفعل التفضيل" التي تطاردنا في كل مكان عودتنا على التضحية السريعة بكثير مما نملك في طريق الوصول إلى شيء ما نطمع إليه؟
لم يقطع حبل أسئلتي سوى ضحكة الرجل العجوز التي رد بها على مناقشات الأقارب والأصدقاء، قبل أن يتوكأ على عصاه منصرفاً وهو ينظر إلي قائلاً: علموا الناس أن الحياة لا تعطي شيء بالمجان، وعليه لا يجب أبداً أن نبيع بسهولة، علموهم قبل أن يفكروا خارج الصندوق ـ كما تقولون ـ أن يفكروا داخله أولاً.. ربما وقتها تجدون شيئاً مما تبحثون عنه.
#كريم_الشاذلي
جمعتنا مناسبة عائلية فأعدنا تعريف أنفسنا من جديد ..!
في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، صرنا أبعد بكثير، نظن بأننا قرباء باللايك، وأننا أدينا ضرائب الصداقة وصلة الرحم نظراً لأننا كنا إيجابيين وقمنا بالكومنت!.
سنوات مرت قبل آخر مناسبة جمعتنا، لعب الزمن فيها لعبته على كل واحد منا، هذا بتجعيدة على جبينه، وذاك ببعض الشعرات البيضاء في منتصف رأسه، وآخر أقعدته السمنة فصار يلهث مع كل حركة يقوم بها.
دعانا هذا إلى أن يسأل كل منا صاحبه عما فعلت به الدنيا، ونتحدث عما وصل إليه حالنا، وعندما وجه أحد أقاربي كلامه لي، مشدداً على متابعته لما أكتب، وتطرق إلى عملي في مجال العلاقات الأسرية حتى ارتسمت إبتسامة هادئة على شفة رجل مسن وهو يسأل: وهل وصل الحال بكم إلى تقديم محاضرات وكتابة كتب عن العلاقات الزوجية، يبدو أنكم تعانون كثيراً!.
ابتسمت بدوري وأنا أشرح له ما تغير، وأجتهد في تأكيد قيمة ما أفعله، موضحاً أن الجيل الحالي يواجه تحديات كبيرة تستدعي منا طرح حلول خلاقة، ذلك أن كثير مما كان يصلح في الماضي لم يعد ذا جدوى في زمننا الحالي، وأننا بحاجة إلى تخطي فكرة التعلق بالزمن الجميل، وتقديم خطاب اللوم والتقريع لأبناء هذا الزمان، الذي لا يرضيه شيء، ولا يعرف قيمة النعمة التي بين يديه.
اعتدل الرجل في جلسته قائلاً بجدية: ليكن، ولكن جزء أصيل من مشكلة جيلكم يمكن تلخيصها في موضة "التوكيل"!.
أخذ نفساً قصيراً ملئ به رئته المتعبة قبل أن يقول بعدما اطمئن إلى انتباهنا لكلماته: في زمننا كنا نؤمن بقيمة الإصلاح، إصلاح الكرسي ذو القدم المتهالكة، التلفاز الذي لا يعمل إلا بالطرق، الحذاء الذي يتمرد على المجهود، السيارة التي تتعطل بشكل دوري ثابت، كنا نقول بألسنتنا فقط "اللي اتكسر ميتصلحش"، لكن الحقيقة أننا كنا نحاول إصلاح كل شيء، وعلى رأس ما كنا نعمل على إصلاحه هو علاقتنا التي يطالها السأم والبرود وتحوم حولها الضغوط والمشكلات.
مشكلة جيلكم الحقيقية أنه جيل تربى على راحة البال، يرى بأن الجديد أقل كلفة من إصلاح القديم، ما أن يتعطل شيء لديه إلا ويلقيه في سلة المهملات ويأتي بالجديد، كما قلت "التوكيل" يحل له المشكلة ويعيد كل شيء إلى حالته الأولى، وللأسف الشديد إن قبلنا هذا في "تيل الفرامل" فكيف نقبله في علاقة إنسانية، يلقيها الواحد منكم خلف ظهره، باحثاً عن جديد يخلو من عيوب القديم.
صمت الرجل لبرهة غامت فيها عيناه، يبدو أنه يعيد استحضار مشاهد ما من ذاكرته قبل أن يضيف بنفس اللهجة الجادة: نعم كنا نُصلح ما انكسر، ما يقارب النصف قرن عشتها مع زوجتي، لا أذكر مرة تم استحضار لفظ الطلاق بيننا، لم يفكر واحد فينا أن يلقي صاحبه في سلة المهملات، كنا نُعالج دائماً مشاكلنا وفي أذهاننا فرضية واحدة .. أن لا بديل آخر سوى الإصلاح، فنصبر، ونتغافل، ونحاول أن نوطن أنفسنا على التعايش مع بعض مما نكره، لا يوجد شيء ينكسر يصعب إصلاحه .. جزء من سعادتنا الحقيقية كانت في إيماننا الشديد "إن اللي انكسر لازم يتصلح"!
كعادتنا نحن شباب هذا الزمان، ما إن انتهى الرجل من كلماته إلا وحاول كل واحد من الحضور على تأكيد وجهة نظر مغايرة، انشغلوا في معركة الأجيال، وكيف أننا مظاليم رغم أنوفنا!، غير أن صمتي طال كثيراً، ثمة سؤال ظل يتردد في ذهني: هل حقا اتساع الخيارات أمامنا كان وبالاً علينا؟
هل أعجزنا حبل صبرنا القصير والمتهالك عن إعطاء الفرصة لصديق تغابى لبعض الوقت فأخرجناه من حياتنا لأن الجديد ينتظر؟!.
هل صرنا أكثر نزقاً وتوتراً وضيقاً، فلم نعد نبذل جهداً في الحفاظ على ما نملك، متحججين بأن الحياة أقصر من أن نقضيها في الإصلاح والمعالجة؟
هل صارت عبارة "ريح نفسك وهات واحد جديد" لا تشمل فقط الهاتف والسيارة والحاسوب الشخصي، وتغولت لتشمل حياتنا بكل جوانبها، الوظيفية منها، والإنسانية؟
جزء من طمأنينة البال مرتبط بالرضا، وجزء من هذا الرضا نابع من التسليم بكثير مما وصلنا إليه، فهل نهش فينا غول "الطموح" حتى شوهنا، هل "أفعل التفضيل" التي تطاردنا في كل مكان عودتنا على التضحية السريعة بكثير مما نملك في طريق الوصول إلى شيء ما نطمع إليه؟
لم يقطع حبل أسئلتي سوى ضحكة الرجل العجوز التي رد بها على مناقشات الأقارب والأصدقاء، قبل أن يتوكأ على عصاه منصرفاً وهو ينظر إلي قائلاً: علموا الناس أن الحياة لا تعطي شيء بالمجان، وعليه لا يجب أبداً أن نبيع بسهولة، علموهم قبل أن يفكروا خارج الصندوق ـ كما تقولون ـ أن يفكروا داخله أولاً.. ربما وقتها تجدون شيئاً مما تبحثون عنه.
#كريم_الشاذلي