كانت قد تعرفت على دانة أثناء عملها في المدرسة الخاصة التي تعمل بها من سنوات ..وأحبتها واستمرت علاقتها بها حتى بعد ترك الأخيرة العمل في المدرسة ..وخاصة أنهم في حي واحد ..وتجمعهم بعض الصفات أهمها حب المرح ..
ثم أصبحت علاقتهم علاقة عمل ..فقد كان لدانة أثرا كبيراً في حياة سارة ..
في صبرها وإصرارها على النجاح.. رغم ظروفها وفشل حياتها الزوجية مع صغر سنها وجمالها ..
كانت دانة تشجع سارة بل و تدفعها للعمل الإضافي لزيادة دخلها .. وخاصة أن راتبها من عملها ضئيل جدا مقارنة بالجهد الذي تبذله في عملها والساعات الطويلة التي تقضيها في عملها ..
ولكي تساعدها أن تنشغل عن حمد وزواجه ..وهمها الذي تحمله ليلا ونهارا
اقترحت عليها أن تبدأ بأي مشروع حتى وان لم يكن لديها رأس مال كبير ..
لكن سارة لم تتشجع لفكرة دانة فأمامها عقبات لعملها الحر ..
كان أهمها رأس المال ..
ورأي حمد الذي لا يؤيد أي عمل إضافي يعلم فيه الناس.. فهي زوجة فلان ذو المنصب الفلاني ..
وأيضا رأي أهلها الذين يعيبون عليها مجرد الفكرة ..بأن تبيع أو أن تعمل بالتجارة البسيطة ..
فكرت أن تعطي دروسا خصوصية في مجال الحاسب في منزلها وجربت ذلك لكنها لم تستمر ..
كان ذلك الاتصال من صديقتها دانة ..هو بدايتها في العمل الحر..
فقد اتصلت بها ذات يوم ..
دانة بحماس: اسمعي سارة ..كم معك الحين ؟
سارة : وشلون كم معي ..؟؟
دانة : فيه مشروع بسيط اسمعي رأيي وسويه ..لازم تبدين ..
سارة بحماس : هاتي وش مشروعك ..
دانة : اكسسوارت ..بيع الإكسسوارات .. سمعت عن تاجر يبيع إكسسوارات روعة وفخمة .. بالجملة ومكسبها مضمون 100% إذا بعتيها مفرق ..
سارة تستبعد جدا هذه الفكرة.. فليس لديها الجراءة لامتهان البيع وخاصة في مجتمع النساء ..
: لا ..لا يا دانة ..مستحيل ..
دانة : ليه مستحيل ..!! سارة الشغل موب عيب ..
سارة : بس هذا بيع ..!!
دانة : لازم الواحد يبدأ من الصفر ..
سارة : مستحيل يا دانة ..أبيع!! وأبيع على مين ..؟ ! ولا اعرف أصلا أبيع استحي ..استحي مرة ..مرة ..مستحيل
دانة : سارة جربي وما راح تخسرين شي ..
سارة : وحمد وأهلي كان يذبحوني ..
دانة بعصبية : سارة ..خلينا نكون واقعيين .. الحين اهلك دارين عن ظروفك المادية ..؟؟
سارة بحزن : لا طبعا
دانة : وحمد ..!! يعطيك لدرجة انه يغنيك ..وما يقصر عليك ..؟؟
سارة : حمد يمر بظروف مادية سيئة من تزوج .. وكل يوم تزيد سوء وما تتحسن ..بس يوم كان معه ما قصر ولو صار معه ما راح يقصر ..
دانة : حنا نتكلم عن اليوم ..أنتي ما تحتاجين زيادة دخلك ..؟؟.. وراتبك ما يكفي حتى نهاية الشهر ..؟؟
سارة وبتردد : صحيح أنا احتاج ..بس ..صعبه علي أبيع ..
دانة : أنتي ما راح تضرك التجربة ..!! وبعدين لا يدري احد ابد.. ابد عن أي شي ..لا حمد ولا أهلك ..ولا أي احد
سارة : بس وين أبيعها ..
دانة : عندك المدرسة والجيران و..
سارة تمسك برأسها .......( يا خزياه ) مدري يا دانة ما اقدر ..صعب مرة
دانة : وأنتي لا تقوين لهم أنها لك ..؟؟ قولي لهم هذي وحدة تترزق الله وظروفها صعبة ..وجربي ....ولا عطيها أحد يبيعها لك ..
سارة وكأنها وجدت مخرج : طيب ما عندي رأس مال ..
دانة : صدقيني يا سارة ما راح يضرك شي ..هي تجربة ..ولازم تبدين من الصفر ولا يحتاج رأس مال كبير ...
سارة : مدري يا دانة ..بس من جد محتارة ..ودي أزود دخلي بس ..وضعي الاجتماعي ..!!
دانة : سارة ..كلنا بنات عوائل والشغل موب عيب ولو بنسمع كلام الناس ..ما راح نفلح أبد .. شوفيني أنا اشتغل بمشغل رغم معارضة أهلي وكل اللي حولي ..بس أنا لازم استقل ويكون لي دخلي الخاص ..واشعر بالاستقلالية وخاصة بعد فشل حياتي الزوجية..وحاجة أطفالي لحياة كريمة . مع أن أهلي ما قصروا ابد على عيالي ..بس إلى متى ..؟؟
سارة : اممم خلاص راح أتوكل على الله ..وأجرب ..
دانة : ايوه .. هذا الكلام ..يا سلام عليك ..خلاص توكلنا على الله ..
جلبت دانة في ذلك الوقت خياطة في منزلها وامتهنت تصميم الملابس ..والجلابيات والتي أبدعت فيها .. لكنها لم تستمر فحبها وعشقها في فن التجميل والماكياج ..غلب على هواية التصميم لديها ..
فعملت في هذا المجال في أحد المشاغل النسائية ..
ثم تدرجت حتى افتتحت لها مركزا خاصا للتجميل والذي جعلته طريقا لها لتحقيق هدف أكبر من ذلك .. ما زالت تسعى لتحقيقه وبتشجيع من سارة ..
وبدأت سارة بتشجيع من دانة التي أصبحت صديقة مقربة لها في مجال الإكسسوارات ....
وشعرت بلذة الربح وتضاعف رأس مالها البسيط ....وانشغلت بتجارتها البسيطة جدا التي توسعت ببيع الماكياج وأدوات الزينة وتصميم القطع الصغيرة .
وبتشجيع من دانة اشتركتا في الدخول بمجازفة .. والاشتراك في بازار في أفخم فندق في مدينتهم ..
كانت تجربة رائعة لسارة منحتها الثقة والخبرة والقوة ..رغم أنها لم تأتي بأرباح سوى استرجاع رأس المال ..وأجار المكان ..
لكنها بعد وفاة والدتها ..التي أثرت عليها وعلى تفكيرها ..ومشاعرها ..
توقفت عن كل شيء
ومكثت شهور..حزينة ويكاد شوقها لأمها يقتلها فصورتها لا تغيب عن خيالها
ضحكتها..
صوتها ..
نصيحتها ..
بل وحتى دمعتها ..
أفقدها موتها أشياء لم تكن تعرف قيمتها ..
كان وجودها في هذه الدنيا يشعرها بالأمان.. الذي فقدته بفقدها
والآن وهي صارت تحت الثرى ..تشعر بالفراغ ..
فطلبت من إخوتها الذين يشاطرونها الحزن على فقيدتهم أن لا يغيروا شيء من بيت والدتها.. ولا يحركوا أي قطعة أثاث .. مع اعتراض بعضهم على ذلك ..لتألمهم من رؤية مكانها ..
تريد أن تر..تعيش ذكراها ..عندما تجتمع مع إخوتها كل نهاية أسبوع
تريد أن تجلس مكانها حيث تتناول معها القهوة.. ..
وتريد أن تصلي حيث كانت تصلي ....
تريد أن تشم رائحتها .. التي استمرت تنبعث في بيتها .. رغم مرور شهور على وفاتها ..
لكن هذا لم يقلل من شعورها بفراغ قاتل بعد وفاة والدتها ..
والتي تعلمت منه أشياء لم تكن لتتعلمها لولا وفاة والدتها ..
فتأملت حال والدتها التي عاشت مضحية براحتها وسعادتها من أجل الجميع وماتت على ذلك ..ولم يقدر أحد مقدار تضحياتها ..إلا بعد وفاتها ..
هي لا تريد أن تكون كوالدتها ..
تريد أن تتحلى بدينها وبصبرها وبطيبتها وبرحمتها ..وبكل خصالها ..
ماعدا التضحية ..!!
فهي لا تريد أن تكون مضحية ..من أجل الآخرين ..
وخاصة حمد ..وأولادها ..
فحمد تركها وهي بكامل قوتها وشبابها وعطاءها لاهثا خلف إمراءة متزوجة عدة مرات ..ولم يلتفت لكل تضحياتها ..وعندما تذكره بتضحياتها له يكون دائما رده واحدا ( لم أجبرك على ذلك )
وحتى أولادها تريد أن تربيهم تربية صالحة على حب الله.. والصلاح وتجتهد في ذلك ...
لكنها لن تضحي وتقتل نفسها من أجل رغباتهم الكمالية
كانت تختلي بنفسها ساعات ..
تتفكر في حياتها ..وتقارنها بحياة والدتها ..
فقررت أن تصحو من سباتها ..
أن تعرف سارة الإنسانة داخلها ..والتي تعذبت في السنوات الأخيرة ..من أجل شخص لم يعرف قيمتها ..
علمت أن بعد حمد وزواجه ببدور لم يكن لنقص فيها هي ..!!
بل هو نقص فيه هو ..!!
وأن إنكارها لذاتها قبل زواج حمد والانصهار فيه كان هو أحد أسباب زواجه وبعده ..
وأن كرهها لذاتها بعد زواجه لأنها تعتقد أن فيها عيباً ونقصاً وأن بدور تتفوق عليها في كل شيء ..كان من ظلم النفس ..
فهي تعلم من نفسها أنها أفضل من بدور بأغلب الصفات ..
فقررت أن تكون سارة ..
سارة التي تحب ذاتها ..
والتي تجعل رضا الله هو هدفها وغايتها ..فلم تخلق إلا لعبادته ..
وليس لاستعباد زوج من لحم وفرث ..مخلوق ضعيف ..قد تفقده لأي سبب
فهل ستقف حياتها على وجوده في حياتها من عدمها ..!!
تخشى أن يتعلق قلبها بغير الله ..
وقد سمعت من يقول ( من تعلق بشئ غير الله عذب به في الدنيا قبل الآخرة ) ..
ستقبل على الحياة وتستمتع بها ..
وتبحث عن الفكاهة والمرح .. كالسابق
ستكون سارة التي تحب أولادها وبناتها وترعاهم ..وستكون صديقة لهم لا أم
سارة التي ستضع لها خطط وأهداف في حياتها لتحقيقها
لن يكون أولها ولا أهمها استرداد حمد ..
بل هو ..إحياء لسارة التي دفنها ذلك الحمد بين الآلام ..والجروح ..
فهي لم تضيع حمد ولم تخسره ...
بل هو من خسرها ..وخسر حبها وتفانيها له ..
خسر قلبها الذي لم يعرف رجلا قبله ..وحن عليه ..
ستكون قوية بالله وبالدعاء لتصبر و تصابر وتنشغل بحياتها الجديدة عن حمد وآلامه
ستكتشف مواهبها .. وستجعل من محنتها منحة ..
فقررت التركيز على العمل لتحقق ذاتها...
فلن تخسر أكثر مما خسرته ..ولن ينفعها من ينتقدها ويعيب عليها ..
فدخلت مجال الخياطة النسائية بتشجيع بل وبدفع من دانة التي كان لها الفضل الأول بعد الله لما وصلت إليه سارة ..
والتي كانت تريد أن تساعدها لتعتمد على نفسها وتثق بقدراتها ..
فأصبحت كل واحدة منهما تشجع الأخرى..
استأجرت خياطة ماهرة وجهزت لها مكان في ملحق بيتها الصغير ..ووفرت لها جميع الإمكانات ..من مكائن وخامات .. وبدأت في عمل تصاميم بسيطة جدا ..
واحتفظت بوظيفتها الصباحية ..خوفا من عدم نجاح مشروعها ..
وحتى ترى أنه يوفر راتب الخياطة فلم تطمع بأكثر من ذلك في البداية ....
فانشغلت بزبائنها وعملها الجديد ..
****************
كانت سارة تقرأ بكتب تطوير الذات ..وتحفظ نظرياتها وتجاربها ..بل وتتحدث عنها دوما مع الآخرين .. لكنها لا تعمل بها ..
لا تطبقها ..
لكنها اليوم وبعد تلك الصدمات والتي كانت وفاة والدتها آخرها ..
صحت ..وفاقت على حقيقة مرة ..
حقيقة أنها أسيرة تفكيرها ..وأفكارها ..التي تجعلها تدور بحلقة فارغة اسمها حمد ..
وكانت أفكارها ..تؤثر بمشاعرها ..وبالتالي بسلوكها وتصرفاتها
إذا..!! إن غيرت أفكارها .. فستتغير مشاعرها ..!!
وسيتغير سلوكها ..
لم يكن أمامها إلا التغيير ..والتغيير الجذري واتخاذ قرار لا رجعة فيه ..
إذ ليس لها خيارات عديدة ..
فإما أنها تنفصل عنه ..
أو تستمر معه ولكن بشروطها والتي كان أولها العدل ..
******************
وذات يوم قررت أن تناقشه مناقشة جادة وعقلانية وأن تجعله يساعدها على اتخاذ هذا القرار ..
استخارت الله وعزمت أمرها فهي الآن تشعر بقوة..
فهي سارة الجديدة ..
سارة الناضجة فكرياً ..
والتي لا تحكمها العواطف فقط كالسابق وخاصة مع حمد ..
أخبرته أنها ترغب بالعشاء معه خارج المنزل...
وفي الطريق حددت هي المكان الذي تريد أن تتناول فيه العشاء وبكل ثقة ...
وعلى غير عادتها بالتردد في اختيار المكان الذي ترغبه ..
اختارت مطعماً فاخراً .. بأثاثه وطعامه ..
و إضاءته الخافتة التي تدخل على النفس الهدوء ..
كان الهدوء يخيم على المكان ..
والأجواء رومانسية..
لم تشعر براحة وانسجام من قبل حمد معها كتلك الليلة ..
وبعد تناول العشاء .. بدأت حديثها برزانة وثقة لم تعهدها حتى هي على نفسها ..
عدلت من جلستها وقد لفت طرحتها بشكل يظهرها أكثر جمالاً.. و ضعت الماكياج بطريقة محترفة بعد أن أخذت دورات فيه.. كانت تجلس أمام حمد و تركز نظرها عليه بعيناها ذات العدسات الرمادية التي وضعتها وزادتها جمالاً ..ولم تكن تفارق الابتسامة محياها .. ثم بدأت حديثها :
سارة : حمد .. فيه موضوع نفسي أتحدث معك فيه وخاصة إنني أعتبرك كصديق .. ..وفيك صفة اعتبرها من الصفات الرائعة وهي و برغم أنك لا تظهر عليك ردة فعل مباشرة لحديثي إلا أنك مستمع ومنصت ممتاز .. تجعلني ..استرسل في حديثي .. واسترسل بأفكاري ..حتى أبوح لك ما بخاطري
حمد يبدو عليه الاسترخاء والشعور بالإطراء : الله يسلمك
سارة : اسمح لي يا حمد أتحدث عن نفسي ..دقائق ..
أنا يا حمد مريت في حياتي معك بثلاث مراحل ...
مرحلة ألغيت فيها ذاتي ..
ومرحلة كرهت فيها ذاتي
ومرحلة أحببت فيها ذاتي ..
حمد بتعجب واندهاش : ما فهمت قصدك ..!!
سارة تضحك : لا تستعجل خلني أكمل كلامي ..
المرحلة الأولى.. واللي فيها ألغيت ذاتي.. بدأت من تزوجتك إلى يوم قرارك بالزواج الثاني ..
كنت أحب ما يحب حمد أفكر بما يفكر به حمد لا أخرج عن طوع حمد بكل ما يقرر حتى وإن كان شيء فيه مضرة لي .. كنت أرى بعيون حمد .. كنت أسمع بآذان حمد .. كنت أتلذذ بالطعام الذي يحبه حمد
كنت كالخادمة لك ولأهلك .. كنت أتحمل إساءاتهم وأتحمل عدم دفاعك عني أمامهم مع أنك تعلم أن لا حول لي ولا قوة إلا بالله ....
ألغيت طموحي ..ألغيت رغباتي ..لم أخطط للمستقبل ولم أفكر به يوما من الأيام ..
كان يكفيني أنك أنت من يفكر بمستقبلنا ويخطط .. ووثقت فيك
لم يكن لي قراري الخاص حتى بالحمل ..لا أحمل إلا إذا قررت أنت ذلك . وأتناول موانع بأمر منك ..
. لم يكن لي توجه خاص..
وكنت سعيدة بتلك الفترة لأنني كنت أعتقد أنه انسجام..
وحسن تبعل ..
تزوجتك صغيرة وأنا في بداية المرحلة الثانوية .. فربيتني أنت وأهلك مثل ما تريد ..
حمد معترضاً : اللي يسمعك يقول إني شايب أو أكبر منك بكثير ..!! ترى الفرق اللي بيني وبينك خمس سنوات بس
سارة : أنا ما أقصد أنك ربيتني لكبر سنك .. ولكن لأنك أنت الرجل ولك القوامة..وأنت مصدر القوة ..
سارة تسترسل : وساعدت تربيتي في بيت أهلي و اللي تحتم علي طاعة الزوج في كل شيء والعيب كل العيب في العناد أو الاعتراض ..
ولو حدث ذلك كان العقاب هو مصيري .. لم يكن إلغائي لذاتي تعيساً في تلك المرحلة ..
لأنني كنت أحبك ..بل أعشقك.. وأتنفس هواك ورائحتك ..
عرفت ما أقصد بأني ألغيت ذاتي..!! وأصبحنا ذات واحدة ..هي ذات حمد ..!!؟
والمرحلة الثانية هي بعد زواجك ..والتي كرهت فيها ذاتي .. كرهت جسمي.. كرهت وجهي.. وشعري ..
شعرت بأنني أسمن النساء وأقبحهن .. كرهت كل شيء حتى تمنيت الموت وكان هو غايتي .. حتى إني وأنا بالطيارة في رحلة الحج كنت أدعو الله أن تسقط الطائرة .. حتى أموت ..
حمد وهو يضحك : استغفر الله ...وش ذنب الركاب الباقيين ..!
سارة : أي والله أستغفر الله العظيم من كل ذنب عظيم لأنه لا يجوز تمني الموت لكن في تلك المرحلة كنت أعيش الاكتئاب و أعلق سعادتي بوجودك معي ..
لكنك فضلت علي امرأة أخرى..
كنت أعتقد.. أنني أنا السبب .. فكنت أسألك وش اللي ينقصني وش اللي مو فيني تبحث عنه عند الأخرى ..؟؟
سارة تعدل جلستها بثقة وتلف طرحتها التي سقطت على كتفها و تسترسل : والمرحلة الثالثة والتي أعيشها الآن وهي أفضل المراحل وآخرها .. هي حب ذاتي ..
بعد وفاة أمي رأيت أن الدنيا بأيامها وشهورها وسنينها تمر كالسحاب .. تمر بسرعة ..وشبح الموت يلاحقنا .. وهي النهاية الطبيعية لحياتنا ..في هذه الدنيا ..
ولن يبقى إلا ما عملنا فيها ..
لن يبقى من متعها شيء ..
ولا حتى من أحزانها ..
لن يبقى إلا عملنا الذي نحاسب عليه ..
كانت أمي ليلة وفاتها بتمام العافية ..لا تشتكي الألم .. كانت توصيني مع صلاحها أن أرسل لها ابني سعود ليحضر عامل الديكور ليفك إحدى الستائر في منزلها .. لم تعلم بدنو أجلها .. بل جاءها الموت فجأة ..
ماتت الغالية .. مات القلب الحنون .. الذي ألغى ذاته حتى مات رحمها الله تعالى رحمة واسعة هي وأبي والمسلمين أجمعين..
فقد ألغت والدتي ذاتها بعد زواجها بأبي وعاشت كزوجة ثانية مجبرة وفي أسرة كبيرة في منزل واحد كانت تعمل طوال اليوم لخدمة هذه العائلة بكثرة أطفالها .. وعانت في بداية حياتها من عداوة النساء في عائلة أبي ..و من وجود ضرة لها.. ..في نفس المنزل ..كانت مطيعة تردد دائما ً (يالله الستر )
( وما يندم إلا راعي الردية ) ( وما يصبر إلا بنات الرجال )
حتى توفي والدي رحمه الله واستمرت بإلغاء ذاتها حتى تسعد أولادها وبناتها..
وحتى بعد زاوجهم جميعاً لم تكن لها رغبات .. ولا متطلبات .. كانت تعيش حياتها للعبادة فقط كان يؤرقها تأخير الصلاة من قبلنا .. أو قبل أولادنا ..
كنت أشعر بحزنها وألمها ..بعد فراق والدي رحمه الله فقد كانت تعيش الوحدة .. ولم نكن نستطيع أن نغير من واقعها وظروفها شيء إلا التخفيف من وحدتها بالتردد عليها والاتصال بها أو إرسال أحد أطفالنا في فترة المغرب من كل يوم .. فهي ترفض تماما أن تزورنا في بيوتنا إلا في حالات نادرة جداً أو مناسبات كبيرة .
مع حبي العميق لأمي .. وحزني على فراقها .. لن أكون مثلها .. لن ألغي ذاتي ..من أجل الآخرين ..
لذلك قررت أن أحب ذاتي و أن أعيش حياتي بكل لحظاتها التي وهبها لي ربي ما دمت متعافية ولله الحمد والشكر
أعيشها .. وأقوم بواجباتي تجاه ربي .. أولا ً
ثم اتجاه ذاتي التي تعبت منك يا حمد .. ومن ثم أولادي
سارة تكمل : أصبحت يا حمد سارة أخرى غير سارة التي تعرفها و التي كانت وحتى قبل عدة أشهر تبكي وتتألم من فراقك يا حمد ومن جفاءك ومن صدك ومن مواقفك اتجاهي ومن ميلك للأخرى ومن ضعفها ..
وتفاجئ حمد بسؤال : أتدري لماذا قررت هذا القرار ؟؟
حمد تفاجأ بالسؤال : لا طبعاً ..!!
سارة : لأنك لم تُجبر على حياتك الجديدة ..بل خططت لها .. وسعيت لها وعشتها بالطول والعرض وفرحت فيها ..
وعشت السعادة مع الأخرى ..
ولو كنت تريد السعادة معي فستعرف الطريق إلى ذلك ..ولن تجهله ..
لكن ولأنني أحب ذاتي ..لا أريد لها الإذلال .. لا أريد لها الألم .....!!
وهنا بيت القصيد في حواري هذا معك .. فإن كنت لا تعطيني كامل حقوقي كزوجة .. سواء الأولى أو العاشرة ..فأنا لست مجبرة بالعيش في حياة ..لا ترضى بها ذاتي التي أحبها لأنني أسعى لأحقق السعادة لها ..
ولن أعلق سعادتي بوجودك في حياتي من عدمه.. فأنت من اختار هذه الحياة المزدوجة ..
وأنت السعيد الوحيد في علاقتي معك إلى الآن لأنني مازلت أقدرك وأحترمك .. واجتهد في إسعادك ولكن ليس على حساب ذاتي بل حسب قدرتي ..
ولكن عندما لا أجد عندك العدل و الاحترام.. والتقدير ..والاجتهاد بالمقابل لإسعادي ..
فلن استمر وسيكون استمراري معك ضرباً من الغباء ..
وهذا ما لا أسمح به أن يحدث بعد الآن .. فقد ولى زمن التضحيات .. حتى ولو بالقليل ..
وأحد هذه الأمور أنك منعتني وما زلت تمنعني من الحمل كل السنوات السابقة مع أن زوجتك حملت وأنجبت طفلا عمره الآن ثلاث سنوات .. وأنت تصر على رفضك لي أن أحمل مع أنك تعلم جيدا تعلقي بالأطفال وحبي لهم
ولأنني سارة الجديدة التي تحب ذاتها ولا ترضى لها أن تسلب حقوقها .. أو تهان ولأني حرة لا يعزل عنها إلا بإذنها ..
ولا أمنع من الإنجاب ..
فكل واحدة منهما تؤرقني في السابق ولن أرضى أن يستمر هذا الألم ..
فإما أنك تمنحني حقي في الإنجاب وترد لي كرامتي في عدم العزل ..أو أنني حرة في الخروج من هذه الحياة التي لا أرضى العيش بها ..
كان حمد صامتاً مندهشا .. وقد بدت عليه علامات الإعجاب والتي لم يستطع أن يخفيها ..
بجراءتها بالحديث عن مصير حياتها ..
وبهذه الطريقة الهادئة والواثقة ..
وبهدوء لم يعهده منها وترتيب أفكارها واختيارها لكلماتها ..
والأهم من ذلك عدم ذرفها للدموع كعادتها في أي نقاش ..
سارة : اعتقد أنني انتهيت ..
حمد : كلامك جيد .. ينم عن عقلية ناضجة .. واقعية ..
واللي فهمته انك قسمتي حياتك إلى ثلاث مراحل .. الخ
سارة تستمع إليه وهو يختصر حديثها بعدة نقاط مندهشة ..
حتى وصل لمطالبها ..
. ...ولكن كلامك عن تضحياتك علشاني غير صحيح ..!!
سارة تقاطعه وبكل هدوء : عندما أجبرتني على ترك الجامعة ؟؟ ألم تكن تضحية مني بمستقبلي من أجلك ..؟؟
عندما تركت مدينتي وسكنت مدينة أهلك لكي تقوم بواجبهم وعشت القهر والاضطهاد ..
عشت حياة مريرة وأنا في بداية حياتي معك ..أليست تضحية ..؟؟
ومن أجل من ..؟؟
عندما بعت كل مجوهراتي في بداية حياتي معك لكي تعمل مشروعك الخاسر الذي لم نجني منه شيء ..من أجل من ..؟؟
يوم أعطيتك كل ورثي من والدي رحمه الله وزدت عليها ما استلفته من إخوتي حتى تشتري بيتنا ..من أجل من ..؟؟
حمد : كل الناس تضحي حتى أنا ضحيت كثير علشانك ..مو بس أنتي .
.سارة : ضحيت من أجلي ..!!
متى..؟؟
وبماذا ضحيت..؟؟
أتمنى بل أرجوك أن تذكر شيء واحد ضحيت به من أجلي عشان أتذكر ..وأفرح ..!!
حمد بغضب : مو لازم اذكر لك أي شي من تضحياتي
سارة : لا بجد أرجوك ..قل لي هل ضحيت يوم من الأيام بدقيقة واحدة من أجلي حتى تضحي بأي شيء ثاني ..؟؟
حمد : أنتي لا تعلمين قدرك عندي وحبك في قلبي .. وما أتصور حياتي بدونك أبداً يا سارة..
سارة تقاطعه : حمد رجاءً لا تعيد كلام مليت من سماعه وما عشته على أرض الواقع ..
لو كنت فعلاً تحبني ولا تتصور الحياة بدوني..!!ما المشكلة أن أحمل كبقية النساء وأمارس حياتي الطبيعية .. !!
وأين الحب في ميلك في أغلب المواقف والمناسبات ..؟؟ وعدم عدلك..؟؟
حمد : سارة أنتي تكلمتي وكنت منصت لك وما قاطعتك ..!!
فأتمنى أنك ما تقاطعيني ..
سارة : أنا آسفة على المقاطعة لكن أتمنى أن تعرف أني في حديثي هذا ما أحاسبك على الماضي .. ولا على الحاضر ..
فمن الغباء أن أعيد الألم الذي مر ورحل ولم يبقى فيه إلا حساب رب العالمين .. حمد أنا قلت لك أني أصبحت سارة جديدة ..لن تتوقف حياتي من أجلك ..!!
حمد بعد حديث طويل يثني فيه على سارة .: أسلوبك جداً رائع وراقي ..أعجبني جدا حوارك ..واقتنعت فعلا بكلامك وراح أفكر جديا بكلامك وأعلمك قراري قريب ..بشأن مطالبك ..
كان الحديث استغرق وقت طويلا في ذلك المطعم
حاسب حمد ثم قام من مكانه ..
وأمسك بيد سارة بقوة لترافقه إلى السيارة ..وكانت ليلتها سعيدة أرضت فيها ذاتها وأجبرت حمد على احترامها ولكنها لم تستخدم القوة ولا العناد بل هو فن الحوار والإقناع ..
كان هذا الحوار ..هو أول حوار عقلاني في حياة سارة ولم يكن أخرها فما زالت تعيش حياتها بين مد وجزر معه ..
لكن.. ما تغير هو تفكيرها ومعاملتها له ..وطريقة عيشها حياتها
فكلما شعرت منه ميلا أو ظلما ذكرته بشرطها في استمرارها معه
دون أن تبكي أو تضعف فقد كرهت ذلك الدور الذي استمر معه سنوات .. فهي لا تعلم أين تكون الخيرة ..قد تكون في تركه ..ولن تخسر شيئاً ..
فمشاعرها تغيرت اتجاه حمد..
بعد كل ما عانته منه بعد زواجه فلم يعد قلبها المتألم المجروح ينبض بحبه كالسابق ..
انشغلت في عملها الجديد ..في مجال الخياطة ..
و احتاجت خياطة أخرى إضافة للخياطة التي لديها .. لتساعد في انجاز العمل بالوقت المحدد .. فجلبت واحدة ..
وتوسع عملها . .وذلك بخياطة العباءات وفساتين العرائس والسهرة ..وبعض الأفكار المبتكرة ..
ونجحت في ذلك .. وهي تطمح إلى وضع مركزا لتصميم الأزياء في المستقبل ..
منحتها محنتها في زواج زوجها اكتشاف مواهبها ..في الكتابة ..وفي التصميم
ومنحتها صديقات حميمات .وقفن معها في كل مراحل حياتها الجديدة ..
وكشفت لها أيضا هذه المحنة حب الناس من حولها..
وكشفت لها صفاتها التي لم تعرف أنها تتميز بها ..لولا هذه المحنة..
**********
لم تنتهي قصة سارة مع حمد ..بعودته وطلاق بدور فلم يكن هذا هدفا لسارة ..ولم تنتهي بطلاقها هي من حمد ..
لكنها أرادت أن تنهي معاناتها معه ..فعزمت أن تعيش يومها معه وكأنه لها وحدها .. وان تغير طباعها لترتاح هي وليس هو ..
حتى وصلت لمرحلة عودة حمد لطباعه الأصلية ..ورغبته بها ..وإظهار حبه واحترامه لها ..مع وجود بدور
.. وفي كل لحظة تضعف فيها سارة عند حدوث بعض الأمور المؤلمة تتذكر والدتها وكيف خطفها الموت ..وتتذكر أن الحياة قصيرة وهي دار ابتلاء وليست متعه دائمة .. فتهون عندها صغائر الأمور وخاصة أنها تثق بعدل الله سبحانه وتعالى وأن حقها لن يضيع عنده ..وأنها مأجورة على صبرها وتجاوزها زلات حمد ..لكي تسير السفينة بأمان ..
وعرفت أن السعادة ليست مرتبطة بحمد وبوجوده معها واصطحابه لها ..ولا بأي أحد أو شيء ...
فهي قادرة على إسعاد نفسها ومن حولها ..
*******
انتهت القصة بإيجاد سارة لذاتها ونجاحها في مجال عملها بالخياطة وستنجح في مجال تصميم الأزياء ما دامت هدفا لها إن شاء الله
والتي كانت بدايتها من لا شيء ..فقد كان رأس مالها 1500 ريال فقط ....وبرغم أنه مازال عليها دين ليس بالكبير لم يسدد بعد وخاصة بعد شراء الخياطة الجديدة إلا أنها استطاعت أن تجمل وتكمل منزلها ومملكتها الصغيرة بقطع الأثاث الجميلة والديكور و التي كانت بعيدة التحقيق عندما كانت تنتظر حمد أن يوفرها ..
وحققت لنفسها كثير من المقتنيات البسيطة التي كانت تتمنى أن تمتلكها ..وشعرت بسعادة غامرة ..أنها استطاعت أن تحقق لذاتها ما لم يحققه لها حمد
لم تحمل سارة حتى الآن وهي لا تدري ما الخيرة رغم سماح حمد لها بالحمل منذ أشهر وخاصة بعد حدوث أمور مؤلمة وغريبة جدا .ومفارقات عجيبة ...لكن سارة تعاملت معها بصورة مختلفة عن السابق .. حدثت أمور كانت لتغير تلك النهاية ..وما زالت تحدث ..!!
قد يكتب الله لي وضعها بين أيديكن.. في يوم من الأيام ..
عزيزتي رونا اشكر لك اهتمامك يا الغالية بمذكراتي ووضعها بموضوع خاص وفقك الله وسدد خطاك
لكن هناك أجزاء كثيرة مفقودة بين الجزء الثالث والذي يليه قد اخل بتسلسل القصة ..قد يكون حذف عند تعطل الموقع في السابق ..